السبت، 1 فبراير 2014

الهيئات الشرعية في مناطق المعارضة.. البقاء للأقوى


بعد تمكّن كتائب المعارضة، سواء كانت إسلامية أم تابعة للجيش الحر، من السيطرة على مناطق واسعة من سوريا وإخراج قوات النظام منها، شهدت هذه المناطق غياباً تاماً لأية مؤسسات تدير شؤون المدنيين والمقاتلين فيها، وفي ظل غياب واضح لحكومة الائتلاف عن مناطق الداخل تم تشكيل عدد من المجالس المحلية والهيئات الشرعية لتقوم بهذا الدور، وهي غالباً ما كانت تتشكّل من دون انتخابات، وإنما وفقاً قوة الكتائب المتواجدة على الأرض، وسنقتصر حديثنا في هذا التحقيق على الهيئات الشرعية كونها تتولى الأمور القضائية.


أسباب تشكيل الهيئة الشرعية بالرقة ومهامها


في أعقاب خروج محافظة الرقة عن سيطرة النظام في شهر أيار الماضي، كأول محافظة تسيطر عليها المعارضة المسلحة بشكل كامل، ومشاركة أغلب الكتائب في عملية غارة الجبار، كثرت الغنائم واشتدت النزاعات عليها، مما استوجب وجود طرف ثالث لحلّ النزاعات القائمة بين فصيلين متصارعين على "قذيفة آر بي جي"، فتم تشكيل الهيئة الشرعية بالرقة بمباركة أغلب الكتائب ودعمها لها باستثناء جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة،

كان من بين المؤسسين للهيئة آنذاك عدد من الحقوقيين والأطباء وخريجي كلية الشريعة الإسلامية، ومن أبرزهم الحقوقي عبدالله خليل، وهو معتقل لدى الدولة الإسلامية حالياً، والشيخ خضر الشيخ الرئيس الحالي لمجلس محافظة الرقة.

كانت المهمة الأساسية للهيئة الفصل بين الكتائب المتصارعة وحل نزاعاتها، وقد لعبت دوراً إيجابياً في ذلك ونجحت في مهمتها هذه بشكل لافت للنظر.

بالإضافة لذلك أخذت الهيئة دور القاضي الشرعي لمشكلات المدنيين، وكان لذلك أثرٌ إيجابي لدى أهل المدنية حيث كانت معاملة القضاة معهم جيدةً غالباً، و كانت العقوبات لا تتجاوز السجن والغرامة المالية، والجلد أحياناً، علماً أنه لم يتم تسجيل تنفيذ أي حكم قصاص بحق المدنيين صادر عن الهيئة الشرعية.

أما من حيث التمويل فقد كانت الهيئة الشرعية تجمع الضرائب من المواطنين لقيامها بأعمال النظافة، لتقوم بتوزيع المبالغ المحصلة على شكل رواتب لموظفيها وعناصرها.

الصراعات العسكرية تنهي دور الهيئة الشرعية


دُعمت الهيئة عند تشكيلها من معظم الفصائل وبشكل خاص من لواء أمناء الرقة، وهو فصيل عسكري تم إنشاؤه قبيل سيطرة المعارضة على الرقة لتتم أسلمته لاحقاً، وكان عناصر جهاز أمن الهيئة تابعين للواء أمناء الرقة ومقر الهيئة هو مقر اللواء نفسه الكائن في الملعب البلدي.

بعد أن استطاعت الهيئة أن تثبت جدارتها في الفصل بين الكتائب المتنازعة والمدنيين قامت الفصائل الإسلامية بإدخال أعضاء جدد للهيئة بهدف سحب قرارات الهيئة لصالح الأطراف ذات النفوذ الأقوى، وهذا ما كان سبباً في عدم التزام الفصائل التابعة للجيش الحر بقرارات الهيئة نظراً لتحكم الفصائل الإسلامية بهذه القرارات، لا سيما وأنه تم تحييد دور القضاة الموجودين أساساً والذين كانوا المؤسسين الفعليين للهيئة حيث قاطع معظمهم والتزموا منازلهم، فيما بقي آخرون على رأس عملهم.

أعقب ذلك قيام كل فصيل إسلامي بتشكل هيئة شرعية ذاتية خاصة به تهتم بالقضايا الداخلية في الفصيل والأحكام العرفية الصادرة عنه، وأصبح دور الهيئة الشرعية العامة يقتصر على حل المشاكل بين الفصائل الإسلامية ولا يحق لها التدخل في الشؤون الداخلية للفصيل مع احتفاظها بدور المحكمة للمدنيين.

تشكيل الشرطة الإسلامية


جاء تشكيل الشرطة الإسلامية إثر هجوم عناصر تابعين للواء أحفاد الرسول على مقر الهيئة الشرعية على أثر قيام الأخيرة باعتقال عدد من عناصر اللواء، وتم إطلاق سراح السجناء، فتم تشكيل الشرطة الإسلامية لتكون رديفةً لأمن الهيئة في الشارع وحليفة لأمن الثورة باتجاه تشكيل قوة عسكرية حقيقية تابعة للهيئة.

فضلاً عن ذلك أخذت الشرطة الإسلامية دور شرطة المرور في المدينة، كما كانت تقوم بتسيير بعض الدوريات في حال طلب المواطنين لهم.

تم دعم الشرطة الإسلامية من قبل عدة أطراف أبرزها لواء ثوار الرقة، لكن تم تشتيت قوى الشرطة بعد فترة من تشكيلها عن طريق قيام الفصائل باستجرار عناصر الشرطة لمبايعتها، وبعد فترة وجيزة باتت الشرطة الإسلامية تابعةً للواء ثوار الرقة بشكل غير معلن.

استيلاء الدولة الإسلامية في العراق والشام على الرقة وهيئتها الشرعية


بعد إعلان قيام الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتسمية محافظة الرقة بالولاية التابعة لها، فضلاً عن انهيار لواء أمناء الرقة، شهدت المدينة وضعاً أمنياً غير مستقر، وتم تهديد بعض القضاة في الهيئة واغتيال آخرين، فتلقّت الهيئة دعماً من عدة فصائل أهمها وأكبرها كان حركة أحرار الشام الإسلامية، فأصبح الجهاز الأمني للهيئة تابعاً لأحرار الشام واقتصر دور الهيئة في هذه المرحلة على الأمور المدنية وغابت عن دورها العسكري الذي أُنشأت من أجله.

لكن شارك الهيئة في دورها المدني الهيئة الشرعية للدولة الإسلامية والمتمثلة بأبو علي الشرعي، والذي تحوّل لاحقاً إلى مصدر رعب للكثيرين بسبب قيامه بتنفيذ كثير من حالات الإعدام الميداني في حق مدنيين وعسكريين، وهو لا يزال على رأس عمله.

بعد فترة قصيرة اختل عمل الهيئة بسبب تعرضها لضغوط من قبل فصائل متعددة وإيقاف دعم أحرار الشام لها وسحب العناصر المكلفين بإدارة أمن الهيئة، فاستغلت الدولة الإسلامية الفراغ الأمني في الهيئة وشكّلت جهازاً أمنياً للهيئة مكوّناً من عناصرها، لتصبح المهمة الرئيسة للجهاز الأمني الجديد مراقبة أعضاء الهيئة ومعرفة تبعيتهم العسكرية، وفي هذه الفترة تم تسجيل عدة حالات اشتباك بين أمن الهيئة والشرطة الإسلامية للهيئة نتيجة لتبعيتهما لأطراف متخاصمة.

حاولت حركة أحرار الشام أن تدخل أعضاءً جدداً في الهيئة تابعين لها مضيفة إياهم إلى أعضائها السابقين، وذلك لمجاراة سيطرة الدولة الإسلامية على الهيئة، لكن، وبعد انتصار الدولة الإسلامية في المعارك الأخيرة مع كتائب المعارضة التي جرت نهاية العام الماضي، أعلنت الدولة سيطرتها على المحافظة بشكل كامل وانسحبت كافة الكتائب والفصائل الأخرى منها، فقام عناصر الدولة بتصفية كل من يتبع لأحرار الشام أو التأكد من خروجه من المدينة نهائياً.

الهيئة الشرعية في جنوب دمشق لا سلطة لها إلا على الناشطين


تتخذ الهيئة الشرعية لجنوب دمشق من بلدة يلدا مقراً لها، وهي تختص بالمناطق الجنوبية التي تتضمن الأحياء الجنوبية من العاصمة وبلدات ريفها الجنوبي، وقد تم تكوينها من معظم كتائب المعارضة العاملة في المنطقة ويقوم مقاتلون من هذه الكتائب بحماية الهيئة.

حاولت الهيئة الشرعية في الشهر الرابع من العام الماضي أن تقوم باعتقال عناصر من لواء الحجر الأسود بتهمة السرقة، فقام عناصر اللواء بمهاجمة مقر الهيئة واقتحامه باستخدام الأسلحة المتوسطة والخفيفة وأطلقوا سراح كل المساجين ومن بينهم لصوص ومخبرين لقوات النظام ووضعوا مكانهم عناصر حراسة المقر والقضاة الشرعيين، ثم قاموا بما يشبه العرض العسكري في المنطقة متباهين بما فعلوا دون أن يتدخل أي طرف آخر في ذلك، وفي أعقاب هذه الحادثة تم تغيير أفراد الهيئة.

بعد شهرين تقريباً كشف مجموعة من الناشطين الإعلاميين سرقة مبلغ مليونين ليرة من قبل بعض الناشطين في مجال الإغاثة، وكان المبلغ قد أُرسل كمساعدة للمنطقة الجنوبية، وعندما حاول هؤلاء الإعلاميين نشر القصة تم تهديدهم من قبل الهيئة الشرعية بالاعتقال ونشر بيان بذلك، فما كان منهم إلا أن سحبوا أقوالهم واعتذروا من اللصوص!

لكل كتيبة في جنوب دمشق هيئتهاالشرعية وسجنها.. والبحث عن المعتقلين ضربة حظ


تمتلك كل كتيبة أو لواء هيئة شرعية وسجناً خاصين بها دون الرجوع إلى الهيئة الشرعية العامة، وفي حال حدوث أي خلاف بين أحدهم ومقاتل تابع لأي من هذه الكتائب يصبح ذلك الشخص عرضةً للاعتقال، فإذا فٌقد شخص ما تبدأ عملية البحث في سجون كافة الكتائب، فضلاً عن تسجيل عدة حالات اختطاف قام بها عناصر ملثمون يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، علماً أن عدد عناصر التنظيم في المنطقة الجنوبية لا يتجاوز الخمسين عنصراً.

أوضح أحد سكان الأحياء الجنوبية أنه قد تم اعتقال عمّه من قبل جهة مجهولة بسبب تحدّثه على الملأ عن تجاوزات الكتائب، ولم تفد عمليات البحث عنه في سجون كل الكتائب في إيجاده، ليتم إطلاق سراحه بعد أسبوعين وهو مكسور التف ولا يستطيع تحريك بده الأخرى من شدة التعذيب وتبيّن أنه كان معتقلاً لدى الدولة الإسلامية.

كما تجدر الإشارة إلى اختطاف واعتقال وسيم المقداد، الطبيب الميداني في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، حيث أُشيع أن الرابطة الإسلامية هي من اعتقلته في الثاني عشر من أيلول الماضي، وبعد أن تم إطلاق سراحه بعد عدة أيام تبيّن أن جبهة النصرة هي من قامت باعتقاله.

الهيئة الشرعية في الغوطة الشرقية تفرض هيبتها بالعقوبات الصارمة


تشكّلت الهيئة الشرعية في الغوطة الشرقية بريف دمشق خلال شهر شباط من العام الماضي من قبل شخص يدعى الشيخ سعيد، وجاء ذلك نتيجة لكثرة السرقات في المنطقة ولعدم استطاعة كتائب المعارضة فرض الامن لانشغالها بالمعارك على الجبهات مع قوات النظام.

استطاعت الهيئة الشرعية آنذاك فرض قوة كبيرة في المنطقة سواء على المدنيين أو على مقاتلي المعارضة، حيث قام اليخ سعيد عند تأسيسه للهيئة بجمع العناصر والسلاح من كافة الكتائب باعتباره من مؤسسي الجيش الحر في الغوطة الشرقية، وأشرف بشكل شخصي على اختيار العناصر، كما تم تشكيل لجنة شرعية من عدة شيوخ قاموا بتنفيذ أحامهم وفقاً للشريعة الإسلامية، وقد أظهرت الهيئة صرامة كبيرة في تنفيذ الأحكام التي تعدد من السجن وحتى قطع يد السارق، وتم الاحتفاظ بالسجناء في سجن تحت الأرض محصن ضد قصف الطيران الحربي ومجهز بشكل جيد بكافة الخدمات.

لم يكن للهيئة مقرٌ ثابت، حيث كانت قوات النظام تستهدف مقراتها بالقصف الجوي والمدفعي بسبب اعتبار الأخيرة أن الهيئة حلت محلها وابتت تشكل بديلاً للنظام ومحاكمه.

تضارب المصالح وتعدد الهيئات يعيد المنطقة للخلل الأمني


بعد نحو شهرين من تشكيل الهيئة الشرعية في الغوطة الشرقية قام لواء الإسلام بقيادة زهران علوش بتشكيل هيئة شرعية أخرى في مدينة دوما، ورفض لواء الإسلام أن تتم محاكمة عناصره إلى في الهيئة الجديدة، لتبدأ الانقسامات في المنطقة وكانت النتيجة إضعاف دور الهيئتين وزوال تأثيرهما على الأرض.

فوفقاً لناشطين من المنطقة بات مقاتلو الكتائب والمدنيون على حد سواء حينما يتعرضون للمساءلة من قبل الهيئة الشرعية في دوما يرفضون الاعتراف بها معتبرين أن هيئة الغوطة الشرقية هي المُعترف بها، والعكس بالعكس، فحينما تسائلهم الهيئة الشرعية في الغوطة الشرقية يحاججون بعدم الاعتراف بها واعترافهم بهيئة دوما.

ومع مرور الوقت فقدت الهيئتان هيبتهما ليبقى وجودهما على الأرض من باب الشكل فقط دون وجود قوة فاعلة لهما، لا سيما وأنه قبل نحو ثلاثة أشهر قام كل فصيل مسلح بتكوين هيئة شرعية ولجنة قضائية خاصة به.

* ملاحظة: تم التحفظ على أسماء الناشطين والمدنيين الذين أجريت المقابلات معهم للحصول على هذه المعلومات حفاظاً على سلامتهم الشخصية.
* نُشر هذا التحقيق على موقع الحل السوري الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق