الجمعة، 26 أغسطس 2011

حوار مع الفنانة رشا رزق



تنويه: تمّ إجراء هذا الحوار في نهاية شهر شباط من عام 2011، لكنّه لم ينشر بسبب توقف الموقع عن العمل حداداً غلى أرواح شهداء الثورة السورية، لتعيد المجلة نشاطها ونشر الحوار خلال شهر آب من العام ذاته.
--


رشا رزق، صوت رائع وإبداع لا حدود له، تنتقل بين الأوبرا والجاز وبرامج الأطفال وغيرها من المحطات الموسيقية، لا تتعب ولا تمل من العمل، لها آراء مميزة، وتجربة فريدة، هي رشا رزق المغنية المتميزة.


بدأتِ من برامج الأطفال، ما سبب هذا الخيار؟

بداية حياتي المهنية في الاستديو كانت "برامج الأطفال" وليست بدايتي الموسيقية. كما أنني بدأت من برامج الأطفال ولا زلت أعمل بها. ببساطة أحببت هذا العمل.


وهل كان العمل فيها رغبةً منكِ أم أنّه كان الخيار الوحيد المتاح؟


لقد كانت بداياتي هناك، كنت في التاسعة عشر من عمري وكان هذا الخيار مطروحاً. أحببت العمل فيه، لاحتوائه على سوية فنية مميزة، وعلى موسيقى كنت أحبها وأتقنها. وكان الوسط الفني هناك نقياً، ونادراً ما نرى شيئاً كهذا. أود أن أنوه إلى أنني لم أكن أبحث عن عمل، لكنها فرصة أحسنت التعامل معها.


كيف تقيّمين التنوع في أعمالك بين الأوبرا وبرامج الأطفال مروراً بالجاز؟


أنا من الناس متعددي الألوان، وثقافتي الموسيقية متنوعة. وكأن المرء يتحدث لغتين أو ثلاث. في الموسيقى الأمر يشابه اللغة. في طفولتي درست الموسيقى العربية وتعرفت على معالمها جيداً، كما أحببت بشكل شخصي الموسيقى الحديثة الأجنبية، ولاحقاً درست الموسيقى الكلاسيكية بشكل أكاديمي في المعهد العالي للموسيقى.



أتفضلين العمل بلون موسيقي محدد؟

بالطبع لا، فلكل لون موسيقي جمالياته وهويته الخاصة وميزاته. كما أنني لا أستطيع القول بأنني مثلاً أحب الأوبرا أكثر من الموسيقى الشرقية. ليس من العدل التفكير بهذه الطريقة. لكن إذا ما أردت أنا أن أؤلف موسيقاي الخاصة فستكون حتماً موسيقى حديثة، موسيقى بنت الزمان والمكان.



إطار شمع كغيرها من الفرق السورية، تصدر ألبوماً أو اثنين ويتوقف المشروع، ما السر؟


أخالفك الرأي تماماً، الفرق لا تتوقف لكن السر في الأعداد القليلة والمتباعدة من الألبومات هو عدم وجود شركات إنتاج، فنحن بلد متخلف في الصناعة الموسيقية. هذا شيء أكيد، لماذا؟ لا أحد يعرف. ينتجون دراما، لكنهم لا ينتجون موسيقى، ربما السر بالعائد المادي، فيكون في حالة الدراما أكبر. لكنني واثقة من أن شركات الإنتاج لو عملت بشكل صحيح فهم قادرون على كسب الأموال.
لا نعلم لماذا تخاف شركات الإنتاج من الخوض في الجال الموسيقي رغم امتلاك سورية لطاقات هائلة، وفرق مميزة. وبصراحة الفرق لا تتوقف عن العمل لكنها بطيئة في الإنتاج، لأن الإنتاج شخصي.


ألا يمكنكم التعامل مع شركات من خارج سورية؟


بالطبع ممكن، ولكن لا نريد التوجه إلى السوق الخارجية، نحن نريدالتوجه إلى السوق المحلية، وموسيقانا موجهة لشباب بلدنا، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى في البلاد الأجنبية لا يفهمون الموسيقى العربية بشكل جيد، يريدون موسيقى عربية مخففة حتى يفهمها المستمع الأجنبي. نحن لا نعمل للتشجيع السياحي، نحن ننتج موسيقانا الخاصة فلا نشوه تراثنا وثقافتنا لكي نرضي أحداً، على المستمع أن يثقف نفسه، فكما نسمع نحن الموسيقى الكلاسيكية الأجنبية، عليهم أن يسمعوا موسيقانا كما هي.


لماذا لم نر ألبوماً خاصاً برشا رزق، ليس ضمن فرقة، بل بشكل مفرد؟


أنا من الناس الذين يحبون العمل الجماعي، وهدفي هو مشروع فني وليس إبراز نجم رشا رزق.



فلننتقل للحديث عن عملك مع فرقة Era العالمية، كيف بدأ المشروع، وما هو تقييمك؟

هذه الفرقة محتواة فيما يسمى نمط موسيقى للعالم World music، كما أن توجههم هو نحو الموسيقى الفنتازية، فيدمجون موسيقى غريغورية على سبيل المثال مع الموسيقى الإلكترونية، فيصنعون جواً يشابه التاريخي الفنتازي، وهو نمط جميل. أرادوا في ألبومهم "Reborn" إدخال مسحة شرقية فنتازية أيضاً. وكان اللقاء بعد عرض لي في تونس، قائد الأوكسترا الذي عملت معه آنذاك هو نفسه موزع الموسيقا لـ Era. فكان لديه إطلاع على تجربتي، وكان اللقاء، وتم الإتفاق.



وبالحديث عن زياد رحباني، حديثينا عن التجربة بشكل عام.


كان اللقاء مع زياد الرحباني في عدة حفلات قبل احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، وفي مهرجان جريدة الأخبار اللبنانية في بيروت، أرسل لنا زياد الرحباني دعوة كإطار شمع، حيث أنه كان مديراً للمهرجان، فأقمنا حفلة لإطار شمع هناك، وشاركت أنا معه في حفلته الخاصة في نفس المهرجان. يبدو أنّه أعجب بعلمنا وبالسوية الفنية التي نقدمها، فاستمر التعاون لما بعد ذلك.



هل أضاف لك العمل مع زياد الرحباني شيئاً، أو تقدمتِ خطوة للأمام، أم كان مجرد مشروع من مجموعة مشاريع؟


بشكل عام زياد الرحباني أو إطار شمع أو فرقة Era يقدمون مستوى فني جيد. وكل هذا تجارب مهمة بالنسبة لي في مسيرتي، ولست نادمة.



لست نادمة، لكن ما الذي يجعلك راضية بشكل عام؟


أنا الآن لست راضية طبعاً، لكن عند تحول المشهد الموسيقي السوري ككل نحو الأفضل، سأكون راضية.



الالتزام في الموسيقى مرتبط لدينا بالأغنيات الوطنية والموشحات وما إلى هنالك، كيف السبيل إلى تغيير هذه الصورة؟


نعم، هذا صحيح لأن المؤسسات الثقافية الرسمية تنظر إلى اﻷمر من هذا الجانب، وهي مؤسسات تقليدية ومن الصعب إقناعها بتغيير رؤيتها ومنظورها. فهم لا يقتنعون بأن الموسيقى الحديثة من الممكن أن تكون ملتزمة. نحن نحتاج إلى موجة موسيقية سورية جديدة معاصرة، لنستطيع أن نغير هذا المفهوم، ولكن لا يمكن حدوث هذا دون إنتاج، فلا نستطيع القول بأنه يوجد موجة موسيقية جديدة وهناك فقط عشرة ألبومات مثلاً. هذا لا يجوز نحن بحاجة إلى إنتاج موسيقي حقيقي.




الناس الآن يتوجهون لسماع أنماط موسيقية كالراب والميتال، ويبتعدون عن الجاز والكلاسيك والكانتري وغيرها.


لكل زمن الموسيقى الشعبية الخاصة به، يوماً ما كان الجاز هو الموسيقى الشعبية السائدة. ثم توجه الناس إلى الروك، والآن هناك الموسيقى الإلكترونية (التكنو)، وهي مرحلة. في كل فترة زمنية يقل عدد مستعمي الأنماط الأخرى غير السائدة. وهو شيء طبيعي.



ولماذا نحن بنسبة كبيرة نفضل سماع الأغاني وليس الموسيقى؟


هذه هي ثقافتنا العربية، موسيقانا موسيقى غنائية. وهذا أمر تاريخي، لأننا نهتم "تاريخياً" بالشعر كثيراً، مما أدى إلى تخلف الموسيقى عن الكلمة. الموسيقى الآلية تطورت في العهد العثماني، وكل هذه القوالب السماعية الموجودة، أتت في تلك الفترة من العثمانيين وانتقلت إلى الموسيقى العربية.



أنتم كشباب يصنع موسيقى جديدة، تحاولون إيصال رسال، لكن هناك تناقض بين أمرين، الأول: هو الإبداع الذي من المفترض أنو يكون شيء جديد وخارج عن المألوف، والأمر الآخر هو قيمة العمل الفني والذي يقاس بقيمته للفرد والمجتمع وهو الأمر المتضمن ضمن بالعادات والتقاليد. كيف تواجهون هذا التناقض؟


المثال الأكبر هنا هو زياد الرحباني، هذا الشخص مهم جداً وتكمن أهميته في أنّه استطاع أن يظهر القيمة الفنية للموسيقى المغناة والتي من الممكن أن تأتي من كلام رجل الشارع العادي، فهو استطاع أن يحمّل هذا الكلام قيمة شاعرية كبيرة، بمعنى الشعر، أكثر بكثير من بعض الكلام المقعر الذي مللنا من سماعه. طبعاً يجب أن تضاف قيمة للفرد والمجتمع، لكن هذا ينحصر بمنظورك، كيف ترى الفرد والمجتمع.


هل الأغنية أداة للتغيير الاجتماعي، أو انعكاس للوضع الاجتماعي؟



سؤال مهم جداً. طبعاً يبقى الأمر حسب الفنان وما هو الدور الذي يريد أن يأخذه، هل يود أن يكون ريادياً أو تابعاً. الفنانون المهمون هم رواد مجتمعاتهم. هل يريد الفنان تقديم عمل مهم، أو شخص مهم؟ هذا خياره.



** تم نشر هذا الحوار على موقع بدنا حل الالكتروني







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق