السبت، 31 أكتوبر 2015

أنا.. اللاجئ السوريّ في فرنسا




حدث لي اليوم أمران، أنا اللاجئ السوريّ في فرنسا، جعلاني أغرق في التفكير فيهما، الآن، وأنا أرتّب الليل حسبما يقودني تراقص الدخان أمام عينَي الضعيفتين.


ظهراً كنت أتنزّه مع زوجتي وابنتي في إحدى الحدائق، فسمعت صوت بكاء طفلةٍ تمشي وهي تجرّ إلى جانبها درّاجتها الهوائيّة. تردّدت قليلاً قبل التقدّم نحوها، بسبب عدم إتقاني اللغة الفرنسيّة من جهة، ولخوفي من ردّ فعل ذويها عندما يجدون لاجئاً برفقة طفلتهم. خلال لحظات حسمتُ أمري واقتربت من الطفلة، وبلغتي الفرنسيّة المبتدئة عرفت أنّها تائهةٌ عن والدها. طلبتُ منها السير معي للبحث عنه، وسرعان ما شاهدتُ من بعيد رجلاً يتنقّل بين الأشجار بسرعة يلتفت في كلّ الاتجاهات، فرفعتُ له يدي، وسألتُ الفتاة إن كان ذاك والدها، فأومأت برأسها واتّجهت نحوه. شكرَنا الوالد من بعيد، وتابعنا سيرنا. بعد دقائق صادفْنا الوالد وابنته مجدّداً، فراح يبرّر لنا ضياعها عنه مؤكّداً أن هذه المرّة الثانية التي تفعل فيها هذا. تبادلنا التمنّيات بنهار جيّد، ومضيت مبتهجاً من فكرة أنّ ذاك الفرنسيّ يبرّر سلوكه لي، أنا اللاجئ السوريّ في فرنسا.




مساءً، عرفنا أنّ الأطفال في هذه المدينة الأرستقراطيّة الصغيرة يمرّون على البيوت لأخذ الحلوى أو الشوكولا. إنّه عيد الهالوين! على الرغم من عدم اندماجي في أيّة أعياد، في سوريا ولبنان وفرنسا على حد سواء، مهما كانت صفتها، إلا أنّ زورجتي أسرعت في تحضير سلّة من أنواع الشوكولا والسكاكر لتقديمها للأطفال الزوّار، وبالفعل، طُرق بابنا عدّة مرّات من قبل أطفالٍ بصحبة أهاليهم، شكرونا وتبادلوا معنا التهنئات.

زوّارنا لم يعرفوا باب من طرقوا، كلّ ما كانوا يكترثون له فرح أطفالهم، وجلّ ما همّني، أنا وعائلتي، أن نكون مشاركين في صنع تلك الفرحة مع أشخاصٍ لا نعرفهم، ولكن نتقاسم معهم العيش في هذا النطاق. انتفت في تلك الساعات علاقة المضيف واللاجئ، وأصبحنا جيراناً.



هذه العلاقة، قد تقتصر على فترة الأعياد، أو في حال حدوث طارئ ما -كالذي جرى في الحديقة- وقد تدوم لما بعد، لكنّها دون شكّ تثبت أنّه يمكن للطرفين أن يتعاملا بعيداً عن أيّة اعتبارات أخرى سوى الإنسانيّة منها، طالما أنني احترمتُ رغبتهم في إسعاد أطفالهم، وأنهم لم ييخيفوا أطفالهم من طرق بابي، أنا اللاجئ السوريّ في فرنسا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق