الاثنين، 10 يونيو 2013

المواطن الصحفي في سوريا بين مطرقة النظام وسندان وكالات الأنباء

* إعداد: بشار يوسف (سوريا) – فتحي بن لزرق (اليمن) – مريم مهنا (لبنان)
المواطن الصحفي في سوريا


شكلت الثورة السورية نقطة تحول في مسار الإعلام العربي والعالمي، وقدم الناشطون الإعلاميون السوريون أنفسهم كنموذج جديد في تغطية أحداث الداخل السوري منذ ما يزيد عن ستة وعشرين شهراً، مستفيدين من التطور الهائل في الاتصالات والوسائل التقنية.

واستطاع الناشطون، خلال هذه الفترة، التكيّف مع تغير الظروف، والاستمرار في تغطية الأحداث كجهة وحيدة تنقل وجهة النظر المخالفة لما تتناقله وسائل الإعلام التابعة للنظام بشكل رسمي أو غير رسمي.
لماذا اتخذ المواطن الصحفي هذه المكانة؟
منذ اليوم الأول من الاحتجاجات، قامت السلطات السورية بمنع وسائل الإعلام من الدخول إلى المناطق المنتفضة، سواء كانت محلية أم عربية أم عالمية، وذلك على الرغم من الوعود التي قطعتها أمام الجامعة العربية أو الأمم المتحدة.

ومع تدهور الأوضاع في عدد كبير من المدن، بات من الصعب إدخال المراسلين إلى الأراضي السورية بشكل غير شرعي تخوفاً من اعتقالهم أو تعرضهم لإطلاق النار أو القصف العشوائي.

ونتيجة لذلك، أخذ بعض الشباب على عاتقهم مسؤولية نقل الوجه الآخر للقصة، والتي ادعى الإعلام الرسمي أنها لم تحدث أصلاً، وذلك على الرغم من المخاطر التي سيتعرضون لها، مدفوعين بتضامنهم مع الثورة.
سوريا.. أخطر الدول على الصحفيين 
أصغر ناشط إعلامي في الثورة السورية، الطفل عمر قطيفان،
قتل في درعا البلد أيار الماضي


قدّمت منظمة “حملة شعار الصحافة” التي تسعى لحماية الصحفيين في مناطق النزاع والعنف إحصاءات أظهرت مقتل 32 صحفياً في سوريا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2012 فقط، وهو ما دفعها لاعتبارها كأكثر دولة خطراً على الصحفيين.

بينما تشير المعلومات التي حصل عليها مركز الدوحة لحرية الإعلام من وكالات أنباء وعدة تنسيقيات داخل سوريا ومن “مجلس الثورة في حمص” ومن شهود عيان وتم تأكيد بعضها من قبل “رابطة الصحافيين السوريين” إلى أن سبعة وتسعين صحفياً قتلوا خلال الأشهر الأربعة عشر الأولى من الثورة.

وقد قضى بعضهم خلال قصف عشوائي على الأحياء الاسكنية، بينما سقط آخرون برصاص قناصة أو تحت التعذيب بعد إلقاء القبض عليهم من قبل قوات النظام.

في حين أظهر التقرير السنوي الصادر عن مؤسسة سمير قصير حول الحريات الإعلامية والثقافية خلال عام 2012 مقتل 85 صحفياً وكاتباً وفناناً، فضلاً عن جرح واعتقال عدد كبير منهم.


من هم الناشطون الإعلاميون السوريون؟
ناشطون إعلاميون سوريون يعملون على تغطية الأحداث
بالصور والفيديوهات

مع اتساع نطاق الاحتجاجات والمظاهرات، ومن ثم تزايد المناطق التي تشهد المواجهات المسلحة بين الجيشين الحر والنظامي، لتغطي أكثر من ثلثي مساحة سوريا، برز مئات الناشطين الإعلاميين الذين يعملون بشكل متواصل لتغطية الأوضاع الميدانية.

وينتمي معظم هؤلاء إلى فئة الشباب، والذين لم يزاولوا مهنة الصحافة أو يكتسبوا أية خبرة عملية أو نظرية قبل اندلاع الثورة في آذار 2011، ويعملون غالباً تحت أسماء مستعارة خوفاً من الملاحقة الأمنية، لا سيما وأن جميعهم يشارك بشكل ما في الثورة على نظام الرئيس بشار الأسد.

وفي هذا السياق، تحدثنا إلى أحد الناشطين الإعلاميين في ريف حماة، ويطلق على نفسه اسم أبو حذيفة الحموي، ليحدثنا عن الكيفية التي بدأ بها العمل، والأسباب التي دفعته إلى ذلك، والمعوقات والمخاطر التي يتعرض لها المواطن الصحفي في سوريا.

إذ أوضح أبو حذيفة أنه نتيجة للظلم والقهر الذي تعرضوا إليه، سعى كل منهم إلى العمل ضمن اختصاص معين يمكن أن يفيد الثورة فيه، فاختار العمل كناشط إعلامي رغبة منه في إيصال “صوت الحق” وخاصة بعد “النفاق” الذي أظهره إعلام النظام، واقتصار عمل وكالات الأنباء على إعداد تقارير معدودة دون تغطية الأحداث بشكل يومي.

وأشار إلى أنه لم يخضع لأية دورات تدريبية و لم يشارك في أية ورشات عمل متخصصة في مجال الإعلام، لكنه أبدى رغبته في متابعة العمل كصحفي محترف بعد انتهاء الثورة.

كما أكد على أن الناشطين الإعلاميين يتعرضون خلال عملهم لشتى أنواع المخاطر كالقصف والملاحقة الأمنية، وفي الوقت ذاته يواجهون صعوبات تتعلق برداءة الاتصالات أو انعدامها والانقطاع المستمر في التيار الكهربائي.

المقابلة كاملة مع أبي حذيفة

وسائل الإعلام تعتمد على المواطن الصحفي فقط

لجأت وسائل الإعلام، بسبب عدم قدرتها تغطية الأحداث من الداخل، إلى الاعتماد بشكل كلي على الناشطين الإعلاميين لاستقصاء الأخبار، لا سيما وأن المعارك في سوريا تعتبر الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.

من جهتها، بررت مراسلة وكالة رويترز في الشرق، إريكا سولومون، هذه الاستراتيجية في العمل، انطلاقاً من توسيع التغطية حيث يتواجد الناشطون في مناطق أكثر من المراسلين بسبب سكنهم فيها، وتعزيز المصادر مما يساعد على التأكد من الخبر عبر عدة طرق، فضلاً عن تخفيض الكلفة فهي تكاد تكون مجانية.

وأوضحت أن رويترز تمتلك حالياً مكتباً في دمشق بعمل بمصور فوتوغرافي ومصور صحافي فقط، يستطيعان تغطية بعض المؤتمرات الصحافية الرسمية والتأكد من وقوع حدث في بعض الأحيان. أما التغطية الميدانية، فتعتمد رويترز فيها على الناشطين ضمن شبكة بدأت ببعض المعارف الشخصيين وتطورت لتضم مئات الناشطين من كلا المعسكرين المتصارعين وإن كانت الغلبة للناشطين المعارضين.

تثق رويترز بقلة من المصادر، وتعمل على التحقق من كل خبر من الباقين، خاصة في ظل محاولات متعمدة للتضليل.

المقابلة الكاملة مع إريكا سولومون:


وسائل الإعلام متهمة بالتقصير واستغلال الناشطين
من جهة أخرى، يرى بعض الناشطين، أن وسائل الإعلام لم تؤدِّ واجبها تجاه السوريين، متهمينها بالاكتفاء بإعداد بعض التقارير من الداخل، والتركيز على مشاهد القصف والاشتباكات والأشلاء فيما أهملت جوانب عديد من معاناة السوريين، كما ذهب آخرون إلى أن هذه الوسائل ضحت بمعاييرها وتركت الناشطين في مرمى النيران لتخفيض التكاليف والاكتفاء بتحرير الأخبار من بعيد أو شراء التقارير من مؤسسات لا تدفع للناشط إلا جزءاً بسيطاً، وهو ما أوضحه كل من الناشطين دلير يوسف وعمرو خيطو:




المواطن الصحفي متهم بالتحيز..
على صعيد آخر، يأخذ البعض على عمل صحافة المواطن، وخاصة في الحالة السورية، التحيز إلى الثورة، مما يجعله بعيداً عن الموضوعية، وهو أقرب ما يكون إلى الإعلام الثوري.
الناشطون يوثقون الدمار الذي سببه القصف

إلا أن هذه الفكرة يدافع عنها الناشط عمرو خيطو بأنها رد فعل طبيعي لأي شخص يغطي الأوضاع في سوريا من الداخل ويرى ما يعانيه المدنيون من قصف وحصار.

لكنه أوضح أن الناشطين ربما أخطأوا حين ظنوا أن التركيز على إظهار معناة السوريين سيحقق لهم انتصاراً أو تسوية عادلة لقضيتهم.

أما فيما يتعلق بكيفية التحقق من صحة الأخبار، فتعتبر عوامل من قبيل الثقة بالمصدر وتعدد المصادر ونوعية الصور ومقاطع الفيديو أبرز العوامل التي تساعد على تحقيق مصداقية عالية في نقل الأخبار.

للاستماع إلى توضيحات دلير يوسف وعمرو خيطو للأفكار كاملة:

تأهيل وتدريب الناشطين كفيل بتحسين أدائهم
رأى كل من دلير وعمرو أن الدورات الاحترافية وورشات العمل ساعدت كثيراً على تحسين نوعية وجودة الأخبار والتقارير التي يعدها الناشطون، كما أن الخبرة العملية المكتسبة خلال أكثر من عامين ساهمت في هذا التحسن، إلا أن بعض الأخطاء لا تزال موجودة نتيجة للعدد الكبير من الناشطين والذين لا يمكن تدريبهم كلهم من خلال عدة مؤسسات أو صحفيين آخرين.

للاستماع إلى توضيحات دلير يوسف وعمرو خيطو للأفكار كاملة:




إذن، وبالاستناد إلى ما سبق، يمكن القول إن الإعلام في سوريا إذ يبدو في ظاهره مرتبطاً بطرفين متصارعين فإنه قد خلق حالة جديدة في الإعلام الحديث، ربما لن تكون طارئة، فقد أظهرت صحافة المواطن وجهاً فعالاً من وجوه الثورة في سوريا تمثل خطوة كبيرة باتجاه تحقيق هامش كبير لحرية التعبير، وإن كانت مدن سوريا حتى الآن بمثابة مستنقع من الجحيم وقوده ناشطون إعلاميون.

الناشطون في قلب الحدث

------------------------------
* تم إعداد هذا التقرير ضمن ورشة عمل "الصحافة متعددة الوسائط" التي أقامتها "دويتشه فيله" في بيروت في الفترة من 27 أيار وحتى 7 حزيران 2013.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق