الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

إلى أين يتجه الاقتصاد السعودي؟!

بدأت السعودية مؤخراً بإنتاج وتصدير كميات قياسية من النفط بهدف الحفاظ على أسعارها المنخفضة، فقد أشادت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بدول الخليج المصدرة للنفط وعلى رأسها السعودية على دورها في تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي عن طريق إدارة أسعار النفط وذلك رغم شكاوى بعض الدول الغربية من أن تكاليف الطاقة مازالت شديدة الارتفاع.

من جهة أخرى، توقع صندوق النقد الدولي نهاية الشهر الماضي أن يسجل الاقتصاد السعودي عجزاً بسيطاً قدره 0.6% خلال عام 2016 مبرراً ذلك بأن الفائض الكبير في ميزانية البلاد المتأتي من ارتفاع أسعار النفط قد يشهد تقلصاً تدريجياً في الأعوام المقبلة نتيجة للاتجاه التراجعي المتوقع لأسعار النفط في الأمد المتوسط فضلاً عن التأثير السلبي لأزمة ديون منطقة اليورو على الطلب العالمي.


وعلى الرغم من أن الصندوق أكد أن توقعاته تتضمن قدراً كبيراً من عدم التيقن، إلا أن الماضي القريب أظهر لنا أن أمراً مماثلاً يمكن أن يحدث على غرار ما حصل عام 2009 حين تهاوت أسعار النفط خلال الأزمة المالية العالمية فسجلت السعودية آنذاك عجزاً في الميزانية بلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالنظر إلى بيانات عام 2011، التي تظهر أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية قد تجاوز الـ 2.2 تريليون ريال، فإنه وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي يمكن أن تسجل السعودية عجزاً قد يصل إلى 13.2 مليار ريال، وهو ما يعادل تقريباً حجم تجارة السعودية مع كل من عمان وقطر والكويت ومصر مجتمعين وفقاً لأرقام عام 2010، أو ما يعادل إنفاقها على خدمات الإسكان وتنمية المجتمع.


وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة سعت بشكل حثيث لتشجيع نمو القطاع الخاص لتخفيف اعتمادها على النفط وزيادة الفرص الوظيفية للعدد المتزايد من السكان، فقد بدأت بالسماح للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب المشاركة في قطاعي توليد الطاقة والاتصالات، وكجزء من جهودها الرامية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع الاقتصاد انضمت السعودية إلى منظمة التجارة العالمية عام 2005، ومع ارتفاع إيرادات النفط وتحقيق فوائض في الميزانية زادت من إنفاقها على التدريب والوظائف والتعليم وتطوير البنية التحتية وزيادة رواتب موظفي الحكومة السعودية.


كما أنها نجحت في تحقيق خطوات في سبيل التخفيف من الاعتماد على النفط، إذ أن آخر المؤشرات أكدت أنها احتلت المرتبة الأولى في العالم العربي من حيث حجم اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها، فقد بلغت حصتها من إجمالي هذه الاستثمارات 40%، إلا أن هذه الاسثمارات ضئيلة نسبياً فهي لم تتجاوز 40.7 مليار دولار في كل الدول العربية خلال العام الماضي.

ومن المؤشرات الجيدة أيضاً التي سجلها الاقتصاد السعودي هو تحقيق القطاع الخاص غير النفطي أعلى معدل نمو سنوي في الربع الثاني من العام الحالي، مدعوماً بالتوسع القوي في قطاعي التشييد والنقل والاتصالات وقوة الطلب المحلي، ومن جهة أخرى ارتفعت قيمة الصادرات السلعية غير البترولية بنسبة 7.45% إلى 46542 مليون ريال في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بـ 3225 مليون ريال تم تحقيقها في الفترة نفسها من العام الماضي، فيما بلغت قيمة الواردات للمملكة 138076 مليون ريال بارتفاع بنسبة 9.83%، وجاءت صادرات المنتجات البتروكيماوية في المرتبة الأولى من حيث القيمة بنسبة 36.83%. فضلاً عن ذلك احتلت السعودية المركز الأول عربياً والثامن عالمياً وحصلت على 7.59 نقطة في مؤشر برنامج التوسع العالمي لتجارة التجزئة الصادر عن مؤسسة "إي سي هاريس" الاستشارية البريطانية العالمية للدول الأكثر جاذبية وسهولة لإقامة برامج توسع عالمي للتجزئة من ضمن قائمة 40 دولة.


ولكن، وبالنظر إلى أن القطاع البترولي يشكّل نحو 45% من عائدات الموازنة و45% من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 90% من عائدات التصدير، فإن المخاطر الناتجة عن أزمة منطقة اليورو وتباطؤ الاقتصاد العالمي لا تزال مستمرة، لا سيما وأن معظم صادرات المملكة تتجه إلى دول تشهد انكماشاً في اقتصاداتها وأبرزها الصين والولايات المتحدة وإيطاليا، بينما تعتبر صادرات السعودية للدول التي تشهد نمواً متسارعاً وخاصة دول الربيع العربي ضئيلة نسبياً، علماً أن السعودية تسعى مؤخراً وبشكل ملحوظ إلى توسيع تجارتها مع هذه الدول، إلا أنها تحتاج إلى أكثر من هذا التوسع حتى تتمكن من تنويع المخاطر المتعلقة بالتباطؤ العام.


وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الأبرز، لماذا تقوم دولة تعتمد بشكل أساس على قطاع النفط، وبشكل خاص عندما يعتمد نمو اقتصادها على ارتفاع أسعار النفط، بأخذ دور الحارس لارتفاع أسعار النفط بالنسبة للدول الصناعية المستوردة له إضافة إلى تحمل أعباء انخفاض المعروض النفطي بسبب العقوبات الغربية على بعض الدول أو بسبب التوترات السياسية في دول أخرى؟


وتأتي تصريحات وزير المالية السعودي إبراهيم العساف الذي أشار إلى أن بلاده على استعداد لأن تلجأ إلى الاحتياطيات إذا تعرض الاقتصاد العالمي للانتكاس، لتعزز هذه الشكوك حول استقلالية القرار الاقتصادي السعودي.

* نُشرت هذه المادة على موقع النشرة الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق