الثلاثاء، 12 يونيو 2012

حقيقة الصراع السياسي بين السودان وجنوبه: الذهب مقابل النفط



تعاني دولة السودان منذ انفصال الجنوب عنها رسمياً في تموز 2011 من مشاكل اقتصادية تعود بشكل رئيسي إلى تحول 75% من إنتاج النفط إلى الدولة الحديثة، ويسعى السودان من ذلك الحين إلى تعزيز اقتصاده عن طريق دعم القطاع الزراعي من جهة، وتكثيف عمليات التنقيب عن الذهب لتصديره من جهة أخرى.


وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى الانفصال المعنوي بين الدولتين أثناء الاحتلال البريطاني للسودان، وعن الأسباب التي أججت النزاعات المسلحة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى ماهية الجهات أو الدول التي دعمت الجهتين، فإن الانفصال قد تم، لكن العنصرين الأساسيين لهذا الدعم من الخارج بقيا محل نزاع، سواء بين الدولتين المتنازعتين، أم بين الاقتصادات الكبرى التي تختفي وراء هذا النزاع.

نفط الجنوب

فالنفط الذي صار ملكاً لجنوب السودان لطالما أثار اهتمام الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تحاول الاستفادة منه إلى أقصى درجة ممكنة منذ استحوذت شركة "شيفرون" الأميركية على امتياز التنقيب، ومن ثم، عندما تخلت عن هذا الامتياز، دخل السودان بمجموعة الائتلاف التجاري (الصين 40% وماليزيا 30% وكندا 25% والسودان 5%)، حيث أقيم مركز لتجميع النفط في حقل هجليج بولاية الوحدة الجنوبية، وهو ذات المكان الذي نشب فيه صراع بين جيشي السودان وجنوبه مؤخراً! وبعد ذلك أقحمت حركة التمرد في السودان موضوع النفط في صراعها مع الحكومة حيث وضعت إيقاف ضخه وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة، وظلت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي والأخرى الموالية لحركة التمرد بقيادة العقيد جون قرنق والكونغرس والإدارة الأميركية تكثف ضغوطها على الشركات العاملة في المشروع السوداني وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية لوقف العمل والانسحاب من المشروع جملة واحدة وإلا خضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، كما صدرت قرارات عن الكونغرس والإدارة الأميركية لتجميد عائدات النفط ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد وذلك بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش ومن ثم تأجيج نار الحرب والاستمرار فيها. وبعد استقلال جنوب السودان بات من البديهي أن تلقى الحكومة كل الدعم من الولايات المتحدة.

ذهب الشمال


وبالعودة إلى الذهب، والذي بات من أهم صادرات السودان حالياً، لا بد من أن نبحث عن المستورد الأكبر لهذه الصادرات. إذ أظهر تقرير صدر مؤخراً عن وزارة التعدين السودانية أن الدولة صدرت حوالي 13.2 طن من الذهب خلال الربع الأول من العام الجاري بقيمة تعادل 603 مليون دولار تقريباً بهدف تعويض فقدان إيرادات النفط، ولكن؛ أيهما أفضل: احتياطي من الذهب أم احتياطي من العملات الأجنبية التي تتأرجح قيمتها في ظل الأزمات التي تعاني منها منطقة اليورو والمملكة المتحدة بالتزامن مع الانكماش في نمو الولايات المتحدة والصين؟ لا شك أن الحكومة الصينية تدرك الإجابة أفضل من الحكومة السودانية، لا سيما وأنها تعتبر من أكبر المستوردين للصادرات السودانية بنسبة تصل إلى 70%، وبذلك يبدو أنها تريد نقل المخاطر من أكبر احتياطي بالعملات الأجنبية في العالم (أكثر من 3 تريليون دولار) لديها لتستبدلها بالسلعة الأهم في العالم: الذهب، دون أن ننسى أن حوالي ربع واردات السودان البالغة قيمتها نحو 10 مليار دولار تأتي من الصين أيضاً.



إذن، يمكن أن نبسّط الصراع بين السودان وجنوب السودان حول السيادة والحدود إلى الصراع بين الولايات المتحدة والصين حول النفط والذهب، بالإضافة إلى صفقات توريد الأسلحة التي تحقق الكثير من المكاسب طبعاً، وهو ما يمكن ملاحظته في معظم الصراعات، فلطالما سارعت الدول الكبرى لحل نزاعات الدول الصغيرة، لكن التاريخ يعلمنا، أنها هي من تشعل هذه النزاعات لتوصلها إلى مراحل متقدمة من المواجهة، ومن ثم تتدخل لحلها وفق حساباتها الخاصة، أي أنها صراعات اقتصادية، لا سياسية كما يظن البعض.


* تم نشر هذه المادة على موقع النشرة الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق