الاثنين، 3 يناير 2011

كلمات عن الرموز والغزو الثقافيّ


الرمز عبارة عن شكل أو رسم يعبِّر عن فكرة أو مفهوم أو جماعة ما، الغاية منه إيصال رسالة لمن يشاهده، دون الحاجة لأيّة شروحات.

استُخدمت الرموز منذ أيّام الفراعنة والإغريق، وزاد الاهتمام بها عند الرومان، ومع مرور السنين، وتتالي الحضارات والديانات، السماويّة منها والوضعيّة، وظهور الجماعات والأحزاب، انتشر استخدام الرموز بشكل واضح، ليظهر فيما بعد، في منتصف السبعينات من القرن الفائت، ما يُعرف بعلم الرموز "Symbologie" والذي يتناول دراسة الرموز والعلامات المُستخدمة في مختلف الثقافات والأديان، ومحاولة الرجوع إلى مصادرها الرئيسة ودلالاتها، فضلاً عن تأثيرها وطرق تعامل الناس معها. لذا يبدو من الواضح أن "علم الرموز" يختلف عن "الرمزيّة" فالأخيرة تدلّ على بعض الرموز أو الإشارات التي تُرسل رسالة ما، سواء كانت ظاهرة أم مخفيّة، أمّا علم الرموز، كما أسلفت، يتناول دلالات الرموز وصلتها بسلوك الأفراد، وغالباً ما تكون مرتبطةً بفكرة دينيّة أو منهجيّة تتّبعها جماعة ما وتؤمن بها.


الجدير بالذكر أنّ الرموز لم تُحافِظ على مدلولاتها عبر التاريخ، فنجد أنّ بعضها قد أصبح يعبِّر عن فكرة مختلفة كلّ الاختلاف عن الفكرة التي وُجدت من أجلها في الأصل، ومثالُ ذلك النجمة السداسيّة.

هناك من يعتقد أنّ اتّخاذ هذا الشعار كرمز لليهود يعود إلى زمن النبيّ داوود، استناداً إلى بعض الروايات، غير الموثوقة، عن أنّه كان، في أيّام شبابه، يستخدم درعاً قديماً في المعارك لفّه بشرائط من الجلد على هيئة نجمة سداسيّة، بالإضافة إلى عدد من التفسيرات التي تربط بين النجمة السداسيّة والرقم 6 ورمزيّته في التوراة وفي الديانة اليهوديّة. لكن، لا توجد أدلّة ملموسة في علم التاريخ تثبت وجود النجمة السداسيّة في الأرض المقدّسة في زمن النبيّ داوود. لذا يعتقد بعض الباحثِين أنّ هذا الرمز قد يرجع إلى النبيّ سليمان، ابن النبيّ داوود، والذي اشتُهِر بتعدّد زوجاته، وكانت إحداهنّ من مصر، فيبدو أنّ هذه الزوجة قد أسهمت في انتشار النجمة السداسيّة، ذلك أنّها كانت رمزاً هيروغليفيّاً يرمز إلى أرض الأرواح عند الفراعنة، كما كانت ترمز للإله "أمسو" والذي، حسب معتقدات الفراعنة، كان أوّل إنسان تحوّل إلى إله، ليصبح اسمه حورس.

لكنّ الرأي الأقرب للصواب يشير إلى أنّ النجمة السداسيّة قد استُعمِلت قبل اليهود من قبل الفراعنة والديانتَين الهندوسيّة والزرادشتيّة، إضافةً إلى بعض الديانات الوثنيّة التي استخدمت هذا الرمز للدلالة على الخصوبة والاتّحاد الجنسيّ بين الذكر والأنثى. كما استُخدِم هذا الرمز في الخيمياء للدلالة على تجانس متضادّين: النار والماء. إضافةً إلى استخدامه كرمز للعلوم الخفيّة (السحر الأسود والشعوذة).

بناءً على ما سبق يرى البعض أنّ اليهود قد تبنّوا هذا الرمز في القرون الوسطى، وأنّ هذا الرمز حديث بالمقارنة مع الشمعدان السباعيّ، الذي يُعتبر من أقدم رموز بني إسرائيل. لذلك نجد أنّ اليهوديّة الأرثودوكسيّة ترفض اعتبار نجمة داوود رمزاً للشعب اليهوديّ بسبب علاقتها بالسحر والشعوذة.

فيما بعد اختارت الحركة الصهيونيّة نجمة داوود رمزاً لها عام 1879م، واقترح تيودور هرتزل في أوّل مؤتمر صهيونيّ، في مدينة بال، أن تكون هذه النجمة رمزاً للحركة الصهيونيّة، ورمزاً للدولة اليهوديّة في المستقبل. كما تمّ استعمال هذا الرمز أيضاً من قبل لجنة الطلاب "أخوة صهيون" عام 1881م، وفي عام 1882م اختار مؤيّدو حركة محبّة صهيون "البيلو" نجمة داوود في ختمهم الرسميّ، والذين بدؤوا بالهجرة إلى فلسطين في الفترة من 1882 إلى 1903م، أو ما يُعرف بالهجرة الأولى. بعد إعلان قيام دولة إسرائيل تمّ اعتماد نجمة داوود كشعار على العلم الإسرائيليّ بقرار من مجلس الدولة المؤقّت.

في ظلّ الحديث عن الغزو الثقافيّ، لا سيّما من خلال المحطّات الفضائيّة والإنترنت، ناهيك عن مشاريع العولمة ومخطّط الشرق الأوسط الكبير، يترتّب على الشعوب التي تسعى إلى الحفاظ على ثقافاتها وخصوصيّاتها أن تكون حريصةً وحذرةً في التعامل مع ما هو أخطر من الأشكال الظاهريّة للغزو الثقافيّ، وأقصد هنا اجتياح الرموز لهذه المجتمعات، ليتناقلها البعض، ويتباهى بها البعض الآخر، دون أدنى معرفة عن دلالة هذا الرمز الموسوم على بعض القمصان والقبّعات والأحذية، والصور التي يتم تناقلها عبر الهواتف النقّالة والحواسيب، وفي المشاهد الخلفيّة لبعض الأغاني، الأجنبيّة والعربيّة على حدٍّ سواء، وهلمَّ جرّا.

سأعود إلى محور الموضوع المطروح، النجمة السداسيّة، والتي أفردت لها هذه السطور بسبب وجود هذا الرمز فوق مكان جلوس عروسين في إحدى حفلات الزفاف التي أُقيمت مؤخّراً وصادف أن أكون مدعوّاً إليها.

انطلاقاً من ثقتي بوطنيّة الحضور غير المشكوك فيها، وبسبب قناعتي أن لا سبب يدعو إلى عدم الانتباه إلى هذا الرمز الساطع في الصالة، سواء من قبل الحضور أم من قبل الشركة المنظِّمة لترتيبات الحفل، سوى الجهل، فقد وجدت من واجبي أن أذكّر بما صارت ترمز إليه هذه النجمة: إسرائيل!

لا يقتصر الأمر على هذه الحادثة فقط، بل تجد أنّ كثيراً من النّاس يرتدون ثياباً عليها كتابات أو رموز لا يعلمون عنها شيئاً، فعلى سبيل المثال لا الحصر قابلتُ أحد أصدقائي قبل أسابيع، وسرعان ما لفت انتباهي ما كان مكتوباً على حذائه، الرياضيّ كما كان يعتقد. كانت العبارة واضحة جدّاً، وتقول: "USA Army" ولمن لا يعلم فهذه العبارة تعني "جيش الولايات المتّحدة الأمريكيّة." الأمثلة كثيرة، والحديث يطول، ولكن حسبي أنّني قد ساهمت في توضيح بعضٍ ممّا يُحاك، عمداً أو سهواً.

تكمن المشكلة في أنّ قلّة الوعيّ والمعرفة، لدى الشباب خاصّة، تدفعهم إلى ارتداء مثل هذه الأحذية مثلاً، تماماً كما يرتدون قميصاً عليه صورة لغيفارا. إلاّ أنّي لا أستطيع أن ألقي اللوم على هؤلاء الشباب، الذين لا يجدون الشغف والحوافز لزيادة معارفهم، بسبب التقاعس الذي صار جزءاً من عاداتنا من جهة، وبسبب المناهج الدراسيّة وطرق التعليم البالية من جهة أخرى، كما لا أجد نفسي قادراً على لوم من أضاع كلّ دقيقة من حياته، صاحياً كان أم نائماً، في البحث عن لقمة العيش، التي تغدو أبعد فأبعد، أو لوم من لا يعرف القراءة والكتابة، فالمنطق يدفعني إلى لوم المثقّفين، أو النخبويّين كما يحلو للبعض أن يسمّيهم.

إنّ مهمّة المثقّف وواجباته في المجتمع الذي يعيش فيه، والمسؤولية الملقاة على عاتقه نتيجة القيم التي يتماهى بقراءاته لها وكتاباته عنها، تحتّم عليه أن يمارس دور الأبّ مع من هم أدنى معرفةً منه. غير أنّ ما يُلاحظ أنّ المثقّف العربيّ، بشكلٍ عامّ، يُفضِّل التمترس وراء الشعارات، ويمتهن مخاطبة من يعتبرهم يشاركونه الانتماء إلى طبقة النخبة، ليتمخّض عن ذلك ما يشبه الجدار العازل بين هذين الطرفَين.

أخيراً لا أملك إلا أن أقول لهؤلاء "النخبة" إنّ كلّ معرفة لا تعود بالنفع على النّاس من حولهم، أو على الأقلّ تؤثِّر على سلوك حاملها، هي معرفةٌ عبثيّة لا طائل تحتها.




* تم نشر هذا المقال على موقع بدنا حل الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق