الثلاثاء، 23 فبراير 2010

كلّ دقيقة هي فرصة جديدة للتغيير


حينما تمضي في أيّامك باحثاً عن شيءٍ محدَّد، واضعاً نصب عينيك أنّ سعادتك المنشودة مرتبطة بهذا الشيء، ولن تكون قائمةً دونه، فإنّ أيّ شيءٍ يقع في طريقك، حتّى إن كان أثمن ممّا تبحث عنه، أو ربّما كان ما تبحث عنه بالأصل لا قيمة له، فإنّك تبقيه بعيداً، أو تمرّ من فوقه دون أن تلقي عليه نظرة اهتمام واحدة. الأمر يبدو كأنّك تسير في رواقٍ طويل مُظلِم النهاية، وتأمل أن يكون ما تبحث عنه موجوداً في تلك البقعة المُظلِمة، فتركّز نظرك على ذلك الظلام وتسير نحوه، وخلال مسيرتك تهمل كلّ الكنوز المترامية على جانبَي الرواق، وتضيّع على نفسك حتّى فرصة النظر إليها. أمّا من يسير منتبهاً لما حوله، مقتنعاً أنّ مُراده قد يكون كامناً في أيّ شيء يُلقى في طريقه، حتّى البسيط منها، فسيجني الكثير من الكنوز، وقد يجد ضالّته قبل وصوله نهاية الرواق.


لا تقسو على نفسك، ولا تمنح روحك للماضي أو للمستقبل، فاللحظة التي تعيشها الآن أقدر على منحك الراحة والسعادة التي تطلبها، فأطلال الماضي ذهبت، وظلال المستقبل بعيدة، وكلاهما لن يكونا موجودين الآن.

لا شكّ أنّ "كثرة الهموم والضغوطات النفسيّة" التي يتعرّض لها كلّ شخص خلال خط سير حياته في العصر الراهن تؤثّر سلباً على الصحّة السيكولوجية والتي تؤثّر بدورها على الصحة الجسديّة. لكن، من الغلط بمكان أن نعمد في سبيل تجاوز هذه الضغوطات إلى برمجة حياتنا لتتلاءم وهذا التغيير في نمط الحياة، بل العكس تماماً ما يجب أن يكون، أي أن نعمل على تكييف هذه الظروف لتتوافق مع مسيرتنا، ونسعى لإيجاد حلول للمشكلات العالقة دون أن يعني ذلك بالضرورة تقديم تنازلات على صعيد حياتنا الاجتماعيّة والنفسيّة.

في هذا السياق نجد الحكماء يضربون لنا مثلاً بأن تكون مسيرة حياتنا كجريان الماء، فالماء لا يصدم الأشياء ولا يحاول تحطيمها، وإنّما إن واجهته صخرة ما فنجده يلتفّ حولها ويكمل مسيره، وبمرور الزمن نجد الصخرة قد تفتت بفعل قوة الماء الضعيفة ظاهرياً، وهذا ما يُدعى في علم الجغرافيا بالحت.

الأمر المسلّم به أن القسم الأكبر من الأمراض العضويّة منشؤها نفسيّ، وكذا العلاج أيضاً، إلا أنّ ذلك لا يجعل من أيٍّ كان قادراً على تجاوز هذه العقبات وحلّها بنفسه. وعلى الطرف المقابل، إنّ ثقافتنا وعاداتنا لم تستطع، حتى الآن، أن تزرع فينا أهميّة وضرورة المعالج النفسيّ، مثله كمثل طبيب الأسنان، لاسيّما وأنّ معظم الأطباء النفسيين الموجودين هنا هم مجرّد تجّار للعقارات المهدِّئة. لذا تتجّه الدراسات الحديثة، كالبرمجة اللغويّة العصبيّة والصدى الداخلي وقانون الجذب على سبيل المثال لا الحصر، إلى أنّ الإنسان قادرٌ على التأثير في ما ستكون عليه حياته، وذلك من خلال الانطباع الذي يتركه عن نفسه في نفسه وفي الكون، وهذا هو ما يطرحه قانون الجذب، فالإنسان يستطيع أن يطلب الأفضل لنفسه فسيكون له حتماً، أو يمكن أن يكتفي بالتشاؤم والاعتقاد بأنّ الأمور الجيّدة لن تحصل له فسيلبّي الكون ما طلبه ولن تحصل له الأمور الجيّدة.

إنّ هذا الطرح لا يتعارض مع الديانات السماوية، فقوله تعالى واضح بهذا الخصوص: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما يشاء)، وكذلك قول النبي محمد، عليه السلام: "من أحسن ظنّه بحجرٍ لنفعه."

سأذكر حالة واحدةً هنا بغرض توضيح ما يتعلّق بالصدى الداخليّ أيضاً. كثيرٌ منا يعاني من مشاكل تتعلّق بالوزن الزائد يرغب في التخلّص منها بشتّى الطرق وأسرعها. إنّ من يقدر على ذلك حقّاً هو من يردّد عبارات من قبيل: أنا سأنحف أو سأغدو رشيقاً. أمّا من يذكر عبارات مثل: سأزيل وزني الزائد أو سأتخلّص من السُمنة، فلا يفلح في التخلّص منها, السبب في ذلك أنّ الكلمات الأخيرة من الجملة تتردّد كالصدى دون وعي منّا لتؤثّر على العقل الباطن. فالشخص الأوّل في مثالنا السابق سيردّد صداه كلمة سأنحف أو رشيق، أمّا الثاني فستتردّد على مسامع عقله الباطن كلمة الزائد أو كلمة السمنة، ليتجاوب عقله الباطن وبالتالي الجملة العصبيّة ككلّ مع ما تردّد من صدى، وينعكس ذلك بشكل مباشر على الجسد.

من جهة أخرى، لا شكّ في أهميّة الحياة الاجتماعيّة للصحّة النفسيّة، وهي وجه من شكل ذو وجوهٍ متعدّدة، ولست بصدد التوسّع في شرحها ولكنّي سأكتفي بذكر بعضها: التربية المنزليّة، المدرسة ومناهج التعليم، الطقوس الدينيّة، البيئة المحيطة، العلاقات الاجتماعية (ولا أقصد الأقرباء والأهل فقط)، النشاطات والهوايات التي يمارسها الإنسان، الدراسة الجامعيّة، وبالتالي المهنة التي سيعمل بها الإنسان فيما إذا كان قد اختار ما يحبّ عمله أو أُجبر عليه، الحالة الماديّة، البيئة الطبيعيّة... إلخ.

لا تندم على ما فعلت، ولا تطل التفكير في الخوف من الغد خاشياً من تكرار الأخطاء، وتوافد الظروف السيّئة من جديد، فكلّ دقيقة هي فرصة جديدة للتغيير!

...

* نُشرت هذه المادة على موقع ألف الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق