الجمعة، 19 فبراير 2010

كليّة الاقتصاد: ستّون علامة استفهام، مئتان وخمس إشارات تعجّب


رغم أنّ معظم طلاب المرحلة الثانويّة، حين تسألهم عن الكليّة التي يرغبون في دخولها بعد انقضاء شرّ "البكلوريا"، قد لا يذكرون اسم كليّة الاقتصاد إلا نادراً، فطموحاتهم إمّا أن تكون أعلى أو أدنى من هذا الاختصاص، إلا أنّ من يحدّد ذلك فعلاً هو وزارة التعليم العالي، التي تسوق الرغبات بما لا تشتهي السفن.

بعيداً عن نوايا السياسة التعليميّة التي تقرّها الوزارة، والخطط التي تضعها، ليس من الصعب ملاحظة بعض المؤشِّرات السابقة واللاحقة لإقرار تلك السياسة وما يتبعها من خطط. إذ ما أن تفتح الجامعات أبوابها، أو نوافذها، لقبول طلبات التسجيل في المفاضلة العامّة، يتهافت طلبة العلم والاستقرار لتقديم طلباتهم، آملين، بكلّ سذاجة، أن تؤخذ تلك الرغبات بعين الاعتبار، ليقبعوا بعدئذٍ منتظرين مصيرهم. وفي إحدى الصباحات الصيفيّة ستظهر نتائج المفاضلة، فتزخر البيوت بالآمال الضائعة والمشاعر الساخطة، ومعظم لوم أصحابها يقع على الوزارة وسياستها.



إنّ التباين الكبير في الدرجات بين المفاضلة ونتائجها، والتباين في الحدّ الأدنى من الدرجات للقبول في الكليّات والمعاهد من سنة إلى أخرى، يحرّض دوماً على الكثير من التساؤلات، التي يحاول الطلبة، وحدهم دون غيرهم، أن يجيبوا عليها، وليجدوا فيها نوعاً من المواساة في تخفيف وطأة الصدمة، وهرباً من ألسنة الأهل والجيران.


وُجِد هذا التباين بشكل ملحوظ في كليّة الاقتصاد في جامعة دمشق، والذي لم يقتصر على المفاضلة العامّة فقط، بل إنّ مفاضلة التعليم الموازي كانت أشدّ تبايناً. فقد تراوح الحدّ الأدنى من الدرجات المطلوب لدخول كليّة الاقتصاد عن طريق المفاضلة العامّة في الأعوام الأخيرة بين 199 درجة و214 درجات.

يعود سبب هذا التباين في رأي بعض طلاب كليّة الاقتصاد من السنين المتقدِّمة إلى تطبيق "قرار الستين" قبل خمسة أعوام، حيث أصبحت درجة النجاح في المادة 60 بدلاً من 48، مما أدّى إلى ارتفاع عدد حالات الرسوب بين الطلاب "الحديثين" حيث لم يتناسب هذا الارتفاع مع نوعيّة أسئلة الامتحان، ولم يطرأ أيّ تعديل على سلالم التصحيح (هذا إن وجدت أصلاً).


هناك رأي آخر، إذ يرى البعض أنّ هذا الارتفاع في نصيب كليّة الاقتصاد إنّما يعود إلى رغبة وزارة التعليم العالي في تحسين نوعيّة طلاب الكليّة، نظراً للـ"تغيّرات الاقتصاديّة التي تشهدها البلاد" والتي تحتاج إلى "كوادر جيدة" للنهوض بأعبائها.


وعلى الرغم من ذلك، فإنّ كليّة الاقتصاد، ذات المبنى المخصَّص لألف طالب فقط، تستقبل مع بداية كلّ عام دراسيّ جديد ما لا يقلّ عن ثلاثة آلاف طالب، فأصبح هذا المبنى-المعجزة يحوي الآن، عوضاً عن ألف طالب، ما يُقارب خمسة عشر ألف طالب، موزَّعين على السنوات الأربع، مستثنين بهذا الرقم "الطلاب الضيوف: (طلاب التعليم المفتوح). بالطبع يشكّل هذا الرقم أضعاف عدد المتخرِّجين من الكليّة.


من السذاجة التشكيك بأهميّة دراسة الاقتصاد في وقتنا الراهن، لا سيّما وأنّ سورية قد تتجه نحو أزمات اقتصاديّة محتملة إن تمّ فرض أيّة عقوبات اقتصاديّة، ولكنّ الاتجاه العام للوضع الاقتصادي في سورية يوحي بازدهار تجارة المصارف وشركات التأمين والبورصة، فضلاً عن التطلّع إلى رفع قيمة الليرة السوريّة بعد فكّ ارتباطها بالدولار الأمريكيّ.


كلّ ما سبق يشكّل أسباباً قد تبدو منطقيّة، من وجهة نظر وزارة التعليم العالي على أقلّ تقدير، لحشد هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب في قاعات كليّة الاقتصاد الصغيرة. لكنّ ما يقال في أوساط طلابٍ قد أنهوا للتوّ آخر مراحل الطفولة يختلف كليّاً عن هذه النظريات والأطروحات، وحساباتهم تختلف عن حسابات الوزارة. فالطالب الذي لا يتجاوز مجموع درجاته في "البكالوريا" بعد طيّ علامة التربية الدينيّة المئتين والعشرين درجة لا يستطيع ولوج كليّات الهندسة والطب، كما يحلم معظم الأهل، فيجد نفسه مضطراً لاتّخاذ أوّل قرار مصيريّ في حياته، فإمّا أن يُعيد "البكالوريا" وهو ما لا يخلو من الصعوبة والملل وضياع الأيام سدىً أو أن يُرغم على نسيان كلّ ما يتعلّق بالطموحات القديمة، ليواسي نفسه ويعزّي أهله بـ"فرص العمل الكثيرة" التي تنتظره على مدرّجات كلية الاقتصاد.


من المؤكّد أنّ إطلاق أحكام سريعة على سياسة الوزارة سيكون فيه من التهوّر واللامسؤوليّة الشيء الكثير، لكن، من حقّ طلاب كليّة الاقتصاد أيضاً، بل من واجبهم، أن يطالبوا المعنيين في الوزارة بدراسات أعمق وحلول أوسع لمشاكل هذه الكليّة؛ المشاكل التي، إن شئنا، تُعدّ وتُحصى، وإن لم يشاؤوا، فهي لا تُعدُّ ولا تُحصى، لا سيّما وأن المرسوم الجديد، والذي يطالب بنسبة حضور 90% يبدو مستحيل التطبيق بالنسبة لطلاب كلية الاقتصاد نظراً للفروق الشاسعة بين أعداد الطلاب والقاعات المخصصة لهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق