الجمعة، 1 يناير 2010

سارية السوّاس: مطلبٌ جماهيريّ أم ظاهرةٌ مدروسة


كان ظهور "الفنّانة" سارية السوّاس بهذه القوّة، وصعود نجمها بسرعةٍ كبيرة، شيئاً غير مسبوق في أوساط "الفنّ" في سورية، واكتسبت شهرةً واسعةً وصلت إلى كلّ بيتٍ في سورية والخليج العربيّ.

بالطّبع، هي ليست الوحيدة في هذه الظاهرة "الشعبيّة"، فقد شهدت منصّات المطاعم والملاهي بروز المئات من المطربين والمطربات، ولكنّها كانت الأهمّ، وأشدّهم لفتاً للانتباه.


إذا ما تحدّثنا من الناحية الفنيّة، فإنّ سارية السوّاس لا تتمتّع بالحدّ الأدنى من الصوت والأداء المطلوبَين للغناء، وكلّ ما تغنّيه هو استخفافٌ حتّى بأغنية "الدبكة" الشعبيّة. ورغم ذلك، تسمع أغنياتها تتردّد في الحافلات والسيّارات، العامّة والخاصّة، وفي الحفلات، العامّة والخاصّة أيضاً، حتّى إنّك تجدها على أجهزة الموبايل، ولاسيّما بين الشباب والأطفال، وهذا ما يثير الاستغراب فعلاً، فمن السهل توقّع سلوك طفلٍ يستمع ويحفظ كلاماً من قبيل: "وين البارح سهرانة يا بنت ال../ بشارع مساكن برزة ولا بالتل"، وهذا على مرأىً ومسمعٍ من الأهل طبعاً.


من ناحيةٍ أخرى، لا نستطيع أن نعزو شهرتها هذه إلى ظاهرة العري الموجودة بين أوساط "فنّانات الفيديو كليب"، لأنّ سارية السوّاس تعتبر من أكثرهم احتشاماً، ولأنّ صوتها اشتهر قبل شكلها.

الآن، وكما ذكرت ذلك في مقالٍ سابق لي بعنوان "الموسيقى العربيّة بين سياسة التلقين وإفلاس المتلقّي"، يبدو أنّ هذا النمط من الأغنيات يشكّل حاجةً ملحّةً لدى الجمهور، وبكلماتٍ أخرى، يبدو هذا النمط وكأنّه مطلبٌ جماهيريّ. إذ يمكن أن نفهم أن يستمع شخصٌ ما قد أسرف في شرب الخمر إلى هذه الأغنيات على إيقاع خطوات الراقصات في الملاهي، لكنّ ما يتعذّر على الفهم، هو ارتفاع هذه "الأنغام" من مسجّلة ما عند الساعة التاسعة صباحاً.

لكن، ما هو مدهش حقّاً هو الإعلان التالي: "اتحاد الصحفيّين العرب يقدّم الفنانة سارية السوّاس...". هذا الإعلان الذي ظهر في الشوارع وعلى أثير إحدى المحطّات الإذاعية قبل فترة من الزمن، وهو ما دفعني إلى الاعتقاد، أنّ هذه الظاهرة التي أدّت وستؤدّي إلى مزيدٍ من التلوّث السمعي وانحطاط الذوق الفنّي ما هي إلا ظاهرة مدروسة ومخطّط لها مسبقاً. ويبقى السؤال: من المستفيد من هذه الظاهرة، ومن هو المحرِّك والمروِّج لها؟

من المؤكَّد أن مسوّقي هذه الأغنيّات وهؤلاء الفنّانين والفنّانات يكسبون الكثير، ولكن، قد يكون الكامن وراء ذلك أعظم. أستطيع الجزم، وكذلك يستطيع كثيرون، أن هناك بعض الجهات التي ترغب في إلهاء هذا "القطيع" لحمله على تناسي همومه ومشكلاته الكثيرة التي لمّا تُحَلّ، غير أنّي لست في موقف القادر على إطلاق الاتهامات وإثباتها، ولن أجازف باتهاماتٍ باطلة أيضاً، فقد يكون وراء ذلك بعض الأشخاص الذين قد توجد لهم فائدةٌ ترجى من جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

وكما أسلفت، لن أطلق الاتهامات والأحكام، وسأكتفي بالتنويه إلى هذا الدواء المنوِّم الذي يُفرض علينا، عمداً حيناً وعبثاً حيناً آخر.

يوجد في سورية الآن من الأصوات التي استطاعت أن تصل إلى آذان قليلٍ من السوريّين وكثيرٍ من غير السوريّين، وقد اجتهد أصحابها في دراسة الموسيقى وأساليب الغناء، ولكنّهم اصطدموا بهذا الجدار الذي يكبر بين الجمهور والفنّان الحقيقيّ، ومن أمثلة هؤلاء (المناضلين حقّاً): لبانة قنطار، ديمة أورشو، رشا رزق، لينا شماميان، ليندا بيطار.. وغيرهم قليلٌ من غاب عن ذاكرتي الآن.

أخيراً، أرغب في أن أوضّح أنّني لست بصدد التشهير بأحد، أو الترويج لأحدٍ آخر، ولكنّي قلقٌ على مصير ماضينا ومستقبلنا، وحريصٌ على تربية أولادي في بيئةٍ صالحةٍ لذلك، وهذا فقط ما يدفعني إلى الكتابة.


* تم نشر هذا المقال على موقع ألف الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق