الجمعة، 1 يناير 2010

الإقناع والإكراه في الغاية والوسيلة


أحياناً، وفي أوقات غير مناسبة، يبدأ الإنسان، وبتأثير ضغط الغازات في "الكولون"، بالمعاناة من الفواق، أو ما يُعرف بالعاميّة "الحزقة"، فيظهر بشكل محرج، إلى حدّ ما، لا سيّما وأنّ البُهاق يشير إليك بأصابع الاتّهام، فالمفهوم السائد يقضي بأنّ من يعاني منه فذاك دليل على قيامه بفعل ما خفيةً، ممّا يوحي غالباً بأمور خارجة عن الأعراف أو القوانين.

رغم أنّ هذا الإشكال العرَضيّ ناجم عن تفاعلات كيميائية في الكولون والمعدة، وبالتالي فإنّه ظاهرة فيزيولوجية، إلا أنّه، وبشكل شبه مُسلّم، يُعالج سيكولوجياً، فيتعمّد أحدهم إلهاءك بأمر معيّن، أو إخافتك، أو اتهامك بجنحة ما، فيزول هذا الفواق تماماً.


ولكن، ماذا لو لم يساعدك أحد؟ هنا، يختلف الحال من شخص إلى آخر، فبعض الأشخاص قادرٌ على إشغال فكره بأيّ شيء بحيث يتجاهل أمر الفواق تماماً، فيزول حقّاً، وبعضٌ آخر يكرّر جملاً، ذات طابع دينيّ غالباً، كالحمد لله مثلاً، فيزول الفواق بهذه الطريقة أيضاً.

إنّ العلاج يتعلّق دوماً بما يؤمن به الإنسان، لذا نجد أنّ عبارةً ما تشفي البعض، ولا تفيد البعض الآخر، والسبب، كما أسلفت، هو الإيمان. وهنا، سأقف عند قول محمّد، عليه السلام، والذي يؤكّد كلامي السابق (رغم أنّ بعض رجال الدين يعتبرون هذا الحديث وضعيّاً)، إذ قال: "من أحسن ظنّه بحجرٍ لنفعه." وبالتالي فإنّ إجبار أيٍّ كان على التداوي بإحدى الطرق التي لا يؤمن بها ولا يثق بمصداقيتها لن يجدي نفعاً.

الأمر ذاته ينطبق على سائر الأمور التي نقوم بها، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة على حدٍّ سواء، ولا تستطيع دفع أيٍّ كان إلى فعل ما لا يؤمن به وبنتائجه، فهو حتّى وإن فعل، لن يحصد النتائج التي يمكن أن تحصدها أنت. لهذا كان الإيمان والفعل، في الدين خاصّة، قائم على العقل والإقناع، لا الإكراه.

هذه الحقيقة يدركها من يفهم الحياة الدنيويّة والغيبيّة، ولكنّ البعض لا يفعل ذلك، لغايات في المنافع الدنيويّة.

جدّي، رغم أنّه كان شيخاً لأحد الجوامع، لم يجبرني، أو أيّاً من أولاده أو أحفاده، على الفروض الدينيّة، وكان يكتفي ببعض النقاشات والملاحظات، ويترك لنا حريّة الاختيار؛ لقد كان عالماً بحقّ!

إن هذا الموضوع يحتاج إلى أكثر من هذه الكلمات القليلة للحديث عنه، ولكنّي سأتوقّف هنا، لظنّي أنّ الفكرة صارت واضحة، ولكم أن تناقشوها أو تعرِضوا عنها، ولا سلطة لي في ذلك عليكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق