الاثنين، 16 نوفمبر 2009

الجوامع المتنقّلة

منذ بضع سنوات، أي منذ بدء ما يُدعى بالحرب على الإرهاب، أو بالأحرى صبّ زيت الإرهاب على نار الجماعات الأصوليّة، ازداد عدد المحطّات الدينيّة، الإسلاميّة خاصّةً، التي تبثّ برامجها لإنارة عقول الشباب المُسلِم الضائع بين محطّات الدعارة ومحطّات الأغنية الساقطة، التي يزداد عددها باضطراد هي الأخرى، وكأنّ الأصوليّة الدينيّة والدعارة وجهان لعملة واحدة.

هذا من جهة. من جهةٍ أُخرى، صار من الأمور الاعتيادية أن تُضطرَّ، رغماً عنك، إلى الاستماع إلى الخطب الدينيّة، سواء في وسائل النقل أو عبر مكبّرات صوت الجوامع، حتّى وإن كنت لا تعتنق الإسلام، أو لم تعد تهتم كثيراً لإثبات هويّتك الدينيّة للقاصي والداني. أحياناً تشعر وأنت تتّجه إلى عملك صباحاً، أو عند مرورك تحت شبّاك حبيبتك، وكأنّ الطرق باتتْ متاهةً من الجوامع، وأنّ وسائل النقل ليست سوى جوامع متنقّلة تلاحقك أينما هربت منها.

الغريب في الأمر، أنّ السائق الذي يرفع صوت المذياع ليسمع أغنيةً ما يبدو مجبراً على كتمان الصوت حينما يطلب أحد الركّاب ذلك، أما إذا طلب أحدهم إضعاف صوت إحدى تلك الخطب، فتأتي الإجابة إما بتكفيرك أو بنظرات الاشمئزاز والعداوة من باقي الركّاب، ولا سيّما إذا حصل واجتمعت مع أحد العجم الذين اهتدوا إلى دين الإسلام حديثاً.
بالطبع من السهل أن يُفهَمَ كلامي هذا (وهو ما سيحدث غالباً) على أنّه عداءٌ للإسلام، ولكن؛ ماذا عن حريّة الاعتقاد؟ وأين تختفي حقوق الفرد عندما يتعلّق الأمر بالدين؟ لماذا نثور حين نسمع شاباً يرفع صوت أغنيةٍ ما عالياً بينما يُمنع علينا حتى أن نمتعض من صوت الخطيب يوم الجمعة (وهو صوتٌ غليظٌ بالعادة، ولا علاقة لذلك بمضمون خطبته)؟
بالعودة إلى سبب هذا الاندفاع الهستيري، سيكون من السذاجة اعتبار ذلك مجرّد ردّ فعلٍ على الحرب المعلنة على الإسلام، وليس بجديدٍ أنَّ من يدفع لتمويل المحطّات الفضائيّة الدينيّة هو غالباً من يدفع ثمن الأحزمة الناسفة التي تُفجّر في الأسواقٍ والمناطق المأهولة بالسكّان. وإذا كان في ذلك ما يبعث على الحيرة والذهول، فما علينا سوى أن ننظر غرباً، حيث تموِّل بعض المؤسسات الكبرى حكومات ومجموعات معارضة لها في الوقت نفسه. لماذا؟ للحفاظ على الحراك أو التوازن الاجتماعيّ، كما يقول البعض، أو لأنّ معارضات مموّلة ومضبوطة لا تشكِّل خطراً حقيقيّاً على النظام السائد، كما يقول آخرون.

* تم نشر هذا المقال على موقع ألف الاكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق