الجمعة، 16 يناير 2009

بكلمات بوحيرد أنعي إليكم ضمائركم وأوطانكم


"أعرف أنّكم سوف تحكمون عليّ بالإعدام، لكن، لا تنسوا إنّكم بقتلي تغتالون تقاليد الحريّة في بلدكم، ولكنّكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرّة مستقلّة.."

جميلة بوحيرد 1957

الأحد المُبكي:

صُدِم الشارع الجزائريّ، العربيّ والعالميّ، صبيحة الأحد الماضي، بما نُشِر في صحيفتَي "الوطن" و"الشروق" الجزائريتين. فقد تضمّنتا رسالتَين موقّعتَين باسم المناضلة جميلة بوحيرد، واحدة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وأخرى موجّهة للشعب الجزائريّ، تطلب فيهما مساعدتها في تحمّل نفقات علاجها في الخارج، لأنّ ما تتقاضاه من معاش لا يكفي لذلك.


نص رسالة المناضلة جميلة بوحيرد إلى الرئيس الجزائريّ:


إلى السيد رئيس جزائر أردتُها مستقلة

سيدي،

أسمح لنفسي بلفت انتباهك إلى وضعيتي الحرجة، فتقاعدي ومعاشي الضئيل الذي أتقاضاه بسبب حرب التحرير لا يسمحان لي بالعيش الكريم، وكل من البقال والجزار والمحلات التي أتسوق بها يمكن لهم أن يشهدوا على القروض التي يمنحونها لي. ولم أتخيل يوما أن أعزز مداخيلي بطرق غير شرعية أصبحت للأسف منتشرة في بلدي.

أنا أعلم أن بعض المجاهدين الحقيقيين والمجاهدات يعيشون نفس وضعيتي، بل أسوأ منها، وأنا لم أقصد تمثيلهم بهذه الرسالة، ولكن من خلال موقعكم لا تستطيعون ولا تريدون معرفة فقرهم وحاجتهم.
هؤلاء الإخوة والأخوات المعروفين بنزاهتهم لم يستفيدوا من شيء، والرواتب التي تمنح لهم لا تتجاوز المستحقات التي تمنح عامة لنواب المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وكذا ما تتقاضونه أنتم وكل الذين يحومون حولكم.

وبناء على هذا، أطلب منكم أن تتوقفوا عن إهانتنا وعليكم أن تراجعوا معاشنا الضئيل، وذلك حتى نُكمل الوقت القليل المتبقي لنا في هذه الحياة بما يتناسب مع الحد الأدنى من الكرامة.

مع تحياتي الوطنية

جميلة بوحيرد

الجزائر في 09 ديسمبر 2009


نص رسالة المناضلة جميلة بوحيرد إلى الشعب الجزائريّ:


إخواني وأخواتي الجزائريين الأعزاء

إنني إذ أتوجه إليكم بهذا الخطاب اليوم، فذلك لكونكم تمثلون هذا الشعب المتنوّع والدافئ والمعطاء الذي أحببته دوما. واليوم، أجدني مضطرة لطلب مساعدتكم.

اسمحوا لي أولا أن أقدم لكم نفسي: أنا جميلة بوحيرد التي حُكم عليها بالإعدام في عام 1957 من طرف المحكمة العسكرية في الجزائر العاصمة.

إنني أجد نفسي اليوم في وضعية حرجة، فأنا مريضة والأطباء طلبوا مني إجراء 3 عمليات جراحية خطيرة وجد مكلّفة لا يمكنني التكفل بها، سواء تكاليف الإقامة في المستشفى والعمليات الجراحية والعلاج والدواء والإقامة في فندق، حيث لا يسمح لي معاشي الضئيل والمنحة التي أتقاضاها بسبب حرب التحرير بالتكفل بكل هذه النفقات.

ولهذا، أطلب منكم مساعدتي في حدود إمكانياتكم.

وقبل أن أنهي رسالتي، أريد أن أشكر بعض أمراء الخليج العربي الذين أعتبرهم إخواني من أجل سخائهم وتفهمهم، حيث عرضوا علي بعفوية وكرم التكفل بكل النفقات العلاجية، لكنني رفضت عرضهم.
مع تشكراتي لكل الأخوات والإخوة الجزائريين وحناني الأخوي.

جميلة بوحيرد


تأكيد بوحيرد لما نُشِر باسمها:


في اليوم التالي، أكّدت جميلة بوحيرد صحّة ما نُسب إليها، وأنّها هي من قامت بكتابة الرسالتين، وشكرت الشعب الجزائريّ وبعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لوقوفهم إلى جانبها وتكفّلهم بنفقات علاجها ونفقاتها الأخرى.


تضارب الآراء حول موقف الرئيس الجزائريّ:


لم تؤكّد المصادر صحّة ما إذا كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد ذهب إلى شقّة جارته في حيّ المرادية ليطمئنَّ عل صحتها ويصدر أوامره للحكومة بـ"التكفّل العاجل والكامل" بنفقات علاج رفيقة السلاح.

من جهة أخرى، قالت جريدة "النهار" الجزائريّة إنّ الرئيس الجزائريّ "مستاء" من المناضلة جميلة بوحيرد بسبب إرسالها في طلب المساعدة المالية من الدولة والشعب الجزائري لتتمكّن من العلاج، وأن تحيا حياةً كريمة. وذكرت الجريدة أيضاً أنّ رئاسة الجمهورية في الجزائر صُعقت بعد اطلاعها على "الخرجة" الإعلامية غير المسبوقة للمجاهدة جميلة بوحيرد، خاصّةً وأنّهم يعرفون أنّ السيّدة بوحيرد قد عادت لتوّها من رحلة علاجيّة، كلّفت الكثير، على نفقة رئيس الجمهوريّة دامت أكثر من ثلاثة أشهر.


ردود فعل بعض المسؤولين الجزائريّين:


قال السعيد عبادو في حديث له مع الصحافة في نادي ضباط الجيش: "لم يطل أي مجاهد المساعدة ولم نقدّمها له". أمّا وزير المجاهدين، محمد الشريف عباس، فقد أبى التحدّث في الموضوع.

من جهة أخرى، قالت المجاهدة لويزة إيغيل أحريز بشكل صريح "إنّها خضعت للتوظيف السياسي من طرف الفرنسيين"، وربطت بشكل غامض بين تصريحات بوحيرد و لقاء الرئيس المصريّ بنظيره الفرنسيّ.


تحليل غريب من قبل بعض الجزائريّين:


تساءل بعض الجزائريّين فيما إذا كانت السيّدة بوحيرد تهدف من خلال تصريحاتها أن تنغّص على الشارع الجزائريّ فرحته بالتأهل إلى نهائيات كأس العالم في جنوب إفريقيا على حساب المنتخب المصريّ بعد أحداثٍ دراميّة-دامية. فهل هي، وفقاً لهذا التحليل، عميلة للمصريّين، أو أنّها صارت، بعد تاريخها النضاليّ، خائنةً لبلدها وشعبها؟


بوحيرد ترفض المساعدة من بعض أمراء الخليج العربي:


إن كانت بوحيرد تبحث عن المساعدة الماديّة فقط، أو لنقل مجازاً المال، فلماذا رفضت المساعدات التي قدّمها إليها بعض أمراء الخليج، كما ذكرت في رسالتها الثانية الموجّهة إلى الشعب الجزائريّ؟

إذن، هل هي رسالة-صفعة موجّهة للبلد الذي ناضلت من أجله، حكومةً وشعباً؟


نبذة عن حياة جميلة بوحيرد:


وُلدت جميلة بوحيرد عام 1935 في حيّ القصبة في الجزائر العاصمة. لها سبعة أخوة شبّان. بعد أن أنهت تعليمها المدرسيّ التحقت بمعهد للخياطة وتصميم الأزياء. كما مارست الرقص الكلاسيكي وركوب الخيل، وبرعت فيهما.

بعد اندلاع الثورة الجزائريّة عام 1954 انضمّت بوحيرد إلى جبهة التحرير الوطني الجزائريّة للنضال ضدّ الاحتلال الفرنسيّ، ثم التحقت بصفوف الفدائيين.

صارت من أكثر الفدائيين المطلوبين من قبل سلطات الاحتلال آنذاك، وألقي القبض عليها عام 1957 بعد إصابتها برصاصة في الكتف.

في المعتقل، تعرّضت للتعذيب الشديد بشتّى الأساليب، وبشكلّ أخصّ بالصعق الكهربائيّ، وبعد أن عجز الفرنسيّون عن حملها على الاعتراف، حوكمت صوريّاً وصدر بحقّها حكم بالإعدام.

اجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقّت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم، وقُرِّر تأجيل تنفيذ الحكم، ثمّ عُدِّل إلى الجن مدى الحياة.

بعد ثلاث سنوات من السجن تمَّ ترحيلها إلى فرنسا، وقضت هناك فترة ثلاث سنوات أيضاً، قبل أن يُطلق سراحها عام 1962.


كلمة أخيرة:


قبل سنوات قال محمّد الماغوط : سأخون وطني، وقبل أسابيع أعلن حنّا مينة في الصحف الرسميّة عن عزمه ببيع التحف التي يقتنيها في داره بحثاً عن لقمة العيش، وقبل أيّام جميلة بوحيرد تستغيث لإنقاذها ودفع تكاليف علاجها، فما الذي ستحمله إلينا قادمات الأيّام؟!

* تم نشر هذه المادة على موقع ألف الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق