الأربعاء، 3 فبراير 2010

سارية السوّاس (2): الوقاحة والابتذال

قام موقع سيريانيوز في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني عام ألفين وعشرة بإجراء تحقيق صحفيّ ضمن زاوية "منوعات" تضمّن لقاءً مع "الفنانة" سارية السوّاس، وعلى خلاف المُتعارف عليه، لم يُذكر اسم من قام بالتحقيق، وسأحاول فيما يلي أن أكتشف سبب ذلك.

مناقشة الأفكار:

- في مقدَّمة التحقيق، تطاول مُعِدّ/ة التحقيق على كلّ من عمل في مجال الموسيقى منذ عهود الموشّحات الأندلسيّة، مروراً بعصور النهضة الأوروبيّة، وصولاً إلى أكاديميّات الموسيقى في العصر الراهن، وذلك حين قال في معرض حديثه "صوتها القوي والجميل" فلا أدري من أين حصل على هذا التقييم؟ ومن هي اللجنة التي قرّرت قوّة وجمال صوت سارية السوّاس؟ فإذا كانت هذه الصفات صحيحة، فما الصفات التي تبقّت لنصف بها صوت السيدة فيروز مثلاً، أو صوت الفنانتين السوريّتين رشا رزق وديمة أورشو؟ ويبدو أنّه/ا قد نسي أن يوضِّح لنا أيضاً إن كان صوتها يصنّف ضمن soprano أو alto، لا سيّما وأنّ السيّد فراس شعبان قد أضاف تعليقاً تحت المقال يقول فيه: "..وكنت دائما خبر رفقاتي عنك وعن أغانيكي وبالأخص على طبقة صوتك وحفلاتك.."


- لقب الفنّان يُطلق على الممثّلين، والموسيقيين أو المغنّين الذين يقومون بتلحين أغنياتهم، فمن أين حصلت سارية السوّاس على لقب "فنّانة"؟

- تقول سارية السوّاس في إجابتها عن السؤال الأول: "أما انطلاقتي الفنية فكانت منذ عشرة سنوات من خلال حفلات الأعراس التي كنت أغني فيها" وهذا ما يؤكّد كلامي السابق في أنها ليست فنانة بل هي مطرية على أكثر تقدير.

- الانطلاقة كانت منذ عشر سنوات، ولكنّنا لم نلحظ شهرتها إلا خلال السنتين الأخيرتين، ولكن مُعِدّ/ة التحقيق قال في المقدَّمة: "استطاعت في زمن قياسي أن تجد لنفسها مكانةً على الساحة الفنية." فهل من تناقض أكبر من ذلك؟

- في الحديث عن أغنية "بس أسمع منّي" تناسى كلّ من سارية ومحاورها/تها أنّ لحن هذه الأغنية مسروق من لحن تركيّ، وقد قام بغنائها عدد آخر من المطربين من أمثال جاسم العبيد وكامل يوسف، والذين قد غنوها قبلها، ومن ثمَّ تجد سارية في نفسها الجرأة في أن ترفع دعوى على عاصي الحلاني الذي اقتبس اللحن أيضاً.

- تقول سارية: "حالياً لا أحد ينافسني على هذا اللون البدوي ولكن أتمنى أن يكون لي منافس في هذا اللون كي يكون لي دافع ومحفز وقوة تساعدني على التطور بسرعة أكبر." والله احترت كيف سأفهم هذا الكلام، فلم أجد سوى أن أطلب منكم، يا أهل الخير، أرجوكم، ابحثوا عمّن يستطيع منافسة سارية في اللون البدويّ، لا لشيء، ولكن كي تجد الحافز على "التطوّر بسرعة أكبر."

- من الجيّد أنّها، أيضاً، لا ترغب في أن تعمل "ديتو" مع أيٍّ من جورج وسوف أو حسين الجسمي، ولكنّها أيضاً، لا تستطيع أن تجد آخرين لأجل ذلك، فإمّا أن يطغوا عليهم بصوتها، أو ستطغى عليهم بصوتها!!

- تقول سارية أيضاً: "أنا ثرية بصوتي وفني وشعبيتي، والحمد لله "صيت غنى ولا صيت فقر"، أما عن سبب غنائي فقط في فنادق خمس نجوم فهو أن الإنسان يجب أن يطور نفسه دائماً، والأجر الذي أستحقه لا أستطيع أن أحصل عليه إلا من خلال حفلات في فنادق خمس نجوم، بالرغم من أن معظم هذا الأجر يذهب للعاملين معي في الفرقة الموسيقية والماكياج ومدير أعمالي وهذا يتطلب الكثير من المصاريف.."

"أنا ثريّة بصوتي.."

هذه الجملة لم أسمعها من كوكب الشرق، وسأعمل جاهداً على إيصال إحدى أغنياتها لإحدى المعاهد الموسيقيّة في إيطاليا لنرَ ما الذي يعوزنا لنفهم ثراء هذا الصوت.

"وفني"

لم تغنِّ سارية أيّة أغنية خاصّة بها، فعن أيّ فنٍّ يتحدّثون؟!

"وشعبيّتي"

أليست المواقع الإباحيّة أيضاً، كما قال الأستاذ حسان محمود في مقاله عن النمس، شعبيّة أيضاً؟!

"غنائي فقط في فنادق خمس نجوم.."

لن أردّ على هذه الكذبة البيضاء، وسأترك الإجابة لإحدى التعليقات الواردة على المقال من قبل إحدى معجبات "الفنانة"، إذ تقول السيّدة نانا: "رجاءً غني حبيبتي غني بكازينو بملهى بفندق المهم تغني وتكوني مبسوطة بتمنى تغنيلي بعرسي وتجيبي معكم كل رفقاتك يلي بغنوا بنفس الطريقة البدوية."

"معظم هذا الأجر يذهب للعاملين معي في الفرقة الموسيقية.."

هذه الفرقة السيمفونية المؤلَّفة من عازف بزق وعازف أورغ وضارب طبلة، والذين رافقوها من ملاهي برزة الليليّة وصولاً إلى "فنادق الخمس نجوم" الآن.

- تضيف سارية: "كل الفنانين المشهورين الآن كانوا في بداياتهم مطربين ليل وكانت انطلاقاتهم من "النوادي الليلية."

لا أدري إذا كانت تقصد بـ"الفنانين المشهورين الآن" مطربات فيديو كليبات التعرّي، فإذا كان ذلك، فهي محقّة تماماً، أمّا غيرهم فلا أظن، فكاظم الساهر مثلاً بدأ تلميذاً عند "منير بشير" الغنيّ عن التعريف، والتقى أعضاء فرقته في ظروف التجنيد الإجباريّ أثناء الحرب العراقيّة-الإيرانيّة، والسيّدة أصالة نصري نشأت على أيدي والدها، وأذكر الأغنيات الرائعة التي انطلقتها منها، الوطنيّة منها والعاطفيّة.. وتطول القائمة.

- وتقول أيضاً: "وعن سبب عدم عرض أغنياتي على الفضائيات والإذاعات فهو نتيجة عدم دفعي مقابل مادي لهم لعرض أو إذاعة الأغنية فأي إذاعة أو قناة كانت تطلب مني مبلغاً مادياً معيناً لعرض أو إذاعة الأغنية."

لو كانت، كما تدّعي، فنانة بحقّ، لكانت المحطّات الفضائيّة تراكضت لاسترضائها وتقديم المبالغ الكبيرة لها لاستقطاب أغانيها، وهو أمرٌ لا يخفى على أحد، ولكن..؟!

- "التجميل مهم وخاصة للمرأة كون الجمال هو أكثر شي مهم بالنسبة لها." لا أعلم، هل أترك الردّ للاتحاد النسائيّ، أو أتركه لموقع نساء سورية، أو لآلاف النسوة اللاتي قدّمن الغالي والنفيس في سبيل الحصول على حقوقهن في المساواة مع الرجل؟ آهٍ يا جميلة بوحيرد، أهٍ لو أنّك أجريت بضع عمليّات تجميل قبل أن تباشري نضالك، لربّما كانت الجزائر قدّمت أعداداً أقلّ من الشهداء..!

- "..هذا الأمر مخيف بالنسبة إلي ويحملني مسؤولية كبيرة تجاه جمهوري الذي تعود ألا أقدم له إلا ما هو جميل.."

رباعيّات الخيّام، أمس انتهينا، قدّك الميّاس، رسالة من تحت الماء، إشارات استفهام، يومٍ على يوم،... إلى آخره من كلّ ما هو جميل..!


الردود:


سأورد فيما يلي بعض التعليقات الواردة على المقال لأتركها بين أيديكم لتناقشوها:

"وعن جد كل يوم لازم نسمع اغانيكي"

"لأنو بصراحة ما حدا بطيق المبتذلين والمغرورين بتمنالك حظ طيب"

"لك دخيل الي خلئك والله سكرة تؤبري قلبي من بين البنات"

"فديت قلبك يا سارية انتي ملكة الاحساس بالغناء"

"انتي مطربة سورية متل اصالة ومتل كل الفنانين الكبار"

"صوت رائع حضور ولا أجمل"

"هذا هو التميز السوري والتراث المتنوع الجميل الرائع"

"تحية من القلب الى احلى صبية واجمل صوت على الساحة العربية"

"بصراحة هي بتمثل الواقعية الجديدة بالفن السوري"

"والله كتر خيرك يا ساريه يعني لولا هالغنيه كنا لسا بهالاغاني القديمه انتي جبتي شي جديد"



وكما أسلفت، لن أناقش ما ورد أعلاه، فالصورة لا تحتاج إلى توضيح. الجدير بالذكر أنّ من بين كلّ التعليقات لم أجد من انتقد ما ورد في التحقيق، فكانت معظم التعليقات هي كما أوردتها في الأعلى، عدا عن قلّة احتجّوا على حقوق الملكية لأغنية "بس أسمع مني"، وربّما كان هذا هو السبب وراء كتابة مقالي هذا.


نظرة إلى الجانب التقنيّ والاحترافيّ لدى مُعِدّ/ة التحقيق:


التحقيق مُفعَم بالأخطاء الإملائيّة والنحويّة، فضلاً عن عدم ترابط الجمل في بعض الأحيان، والكثير الكثير من الجهل باستخدام علامات الترقيم، وسأذكر بعض الأمثلة عن هذه الأخطاء الفاضحة:

- "عشرة سنوات" والتي من المُفترض أن تكون "عشر سنوات"

- "كانوا يغنوها" والتي من المُفترض أن تكون "كانوا يغنونها"

- "غنيتها بعرس إحدى صديقاتي" والتي من المُفترض أن تكون "غنيتها في عرس إحدى صديقاتي"

- "الفنان لا يستطيع أن يفعل أي خطوة أو أي حفلة" الجملة هنا أساساً مفكّكة، ومن المُفترض أن تكون "أية خطوة أو أية حفلة"

- "وهذا يمنحني قدر كبير من الحرية" والتي من المُفترض أن تكون "وهذا يمنحني قدراً كبيراً من الحرية"

- "يقال أن سارية ثرية" والتي من المُفترض أن تكون "يقال إنّ سارية ثرية"

- "كانوا في بداياتهم مطربين ليل" والتي من المفترض أن تكون "كانوا في بداياتهم مطربي ليل"

وتطول القائمة..

لماذا؟


هنا، يتبادر إلى الذهن سؤالان: أوّلهما هو لماذا لم يُذكر اسم مُعِدّ/ة التحقيق كما هو مُتعارف عليه في كلّ التحقيقات الصحفيّة؟ وثانيهما هو لماذا يقوم واحدٌ من أكثر المواقع شعبيّةً في سورية بنشر مادّة كهذه لا تحافظ على أدنى معايير المهنيّة في العمل الصحفيّ؟

لم أجد الجواب بنفسي، فقد استبعدت فكرة أن يكون مدير أعمال سارية السوّاس قد قام بدفع مبلغ معيّن من المال لنشر هذا التحقيق، كما استبعدت أن يكون موقع سيريانيوز قد تقصّد نشر مادّة كهذه لجذب عدد كبير من القراءات ممّا يساهم في دعم تصنيف الموقع على سلّم المواقع السوريّة. إذن، لماذا؟



أخيراً، أترك لكم البحث في الموضوع، بعد أن تناولت الموضوع ذاته مرّتين من خلال مقالَين سابقَين عن "الموسيقى العربيّة بين سياسة التلقين وإفلاس المتلقّي" و"سارية السوّاس: مطلب جماهيريّ أم ظاهرة مدروسة"، خاشياً من أن تكون مقالاتي هذه تدعم هذه الظاهرة "الشعبيّة" وتروّج لها.

* تم نشر هذه المادة على موقع عكس السير الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق