الاثنين، 1 فبراير 2010

هل هناك ما يخيفُ أكثر؟

ربّما وصل مجتمعنا إلى أسوأ حالاته الاجتماعيّة، فالخوف من المستقبل ومن المجهول يسيطر على تفكيرنا، ويحيط الرعب بنا من جميع النواحي. وعلى الرغم من أنّ بعض الاستفتاءات تُظهر أنّ الشعب السوريّ هو من الشعوب السعيدة في عيشتها، وأن الأمن المتوفّر في سورية لا يناظره أمنٌ في كثيرٍ من الدول الأخرى، إلا أنّ الخوف من هذا المجهول بدأ يشلّ تحرّكاتنا. إنّه مجهولٌ حقّاً، فنحن لا نخاف من أمرٍ محدّد، بل ممّا لا نعرفه.


قبل أيّام تعرّضتُ لحادثةٍ آلمتني حتّى البكاء. كنتُ عائداً عند الظهيرة إلى بيتي الكائن في أحد الأحياء الشعبيّة في دمشق، وفي الزقاق، كانت فتاةٌ تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً (أي في الصف السابع) تسير أمامي عائدةً من مدرستها. التفتتْ إلى الوراء مستفسرةً عن صاحب وقع الأقدام، وحين لمحتني تسارعت خطواتها والخوف (منّي) هيمن على أفكارها. وصلنا، ونحن على هذه الحال إلى نهاية الزقاق لندخل في الزقاق التالي، وما إن غابت عن ناظريّ حتّى سمعتُ صوت خطواتها وهي تركض. عندما وصلتُ إلى الزقاق التالي رأيتها هاربةً وهي تنظر وراءها لتتأكد من عدم لحاقي بها. وقفتُ متسمّراً في مكاني مصدوماً بما حصل. انتظرتُ حتى خرجت الصغيرة من الزقاق، ثمّ واصلتُ طريقي إلى بيتي وأنا عاجزٌ عن ارتكاب أيّة فكرة.

الآن وبعد مضي عدّة أيام استطعت أن أستجمع قواي لأفكّر فيما حصل. ما كان سبب خوفها هذا؟ لستُ من أصحاب الوجوه المريبة فيما أعلم، ولم أفعل ما استحضر مخاوفها، إذن ما الأمر؟

هل تغيّرت طرق التربية في مجتمعنا؟ هل صرنا نربّي بناتنا على الخوف من الغرباء؟ حتّى في أيام العثمانيّين، وفي حارات دمشق الأشد تحفظّاً، حيث كانت الصغيرات يرتدينَ النقاب لم يكن سلوكهنّ يحتوي على هذا القدر من الخوف من الآخر.

أهناك سببٌ آخر إذن؟ هل هو بسبب ما يُتناقَل عن حوادث الاختطاف والاغتصاب؟ ولكن، هذه الأمور قلّما تحدث عندنا، وخاصّة حيثما أسكن، فلما هذا الذعر كله؟

قد يكون السبب ما نشاهده في الأخبار، أو ما نراه في ما يُساق إلينا من مسلسلات تركيّة، أو في برامج الأطفال التي تحاكي أطفالاً من كواكب أخرى؟

أنا عاجزٌ تماماً عن تفسير الأمر، ولكنّي واثقٌ من أنّ ذكرى هذه الفتاة ستظلّ قابعةً في مخيّلتي لتخيفني ممّا آلت إليه حالنا في هذه الأيام، ولتدفعني لأتساءل، هل ستستمرّ فتياتنا في السير في الشوارع، أو أنّ هناك ما يخيف أكثر؟

* تم نشر هذا المقال على موقع عكس السير الالكتروني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق