الجمعة، 1 مايو 2020

لا تشتموا أمي!

 

تعالت خلال السنوات الأخيرة الأصوات المناهضة لتأنيث الشتيمة في الوقت الذي تزايدت فيه قوّة الحركات النسوية الرافضة لهيمنة المجتمعات الذكورية والمطالبة بالمساواة بين الجنسين.

وعلى الرغم من أنّ كثيراً مما يرد في سياق تفسير أسباب استخدام الشتائم وطبيعتها يحمل قدراً كبيراً من الصواب، إلا أنّ ربطها الدائم بتبعية المرأة للرجل وامتلاكه لها قد يكون موضع جدل، خاصة وأن المدخل المعتمد في ذلك هو اعتبار اللغة، إلى جانب كونها أداة للتواصل، أحد أهم مفاتيح فهم ثقافة الفرد، على اعتبار أنّها أكثر الطرق مباشرة وأوضحها دلالة على سلوكياته ومدى تماهيها مع القيم السائدة في مجتمعه.

تشغل الشتائم مكانة كبيرة في كل اللغات منذ القدم، ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة، وفي اللغة العربية، يُعرَّف الشتم على أنه سبّ الشخص ووصفه بما فيه نقص وازدراء، وفقاً لما ورد في معجم المعاني الجامع، وفي سبيل الوصول إلى تلك الغاية، من الممكن ملاحظة عدة أساليب في التقليل من شأن الآخر أو إهانته، سواء كان ذلك في اللغة العربية الفصحى أم اللهجات المحكية. من بين أكثر تلك الأساليب شيوعاً، تشبيه الآخر أو والده بالحيوانات والنساء، وسب أمّ الشخص وأخته، وفي الغالب يتضمن ذلك تعابير جنسية أو ذكر أعضائهما التناسلية، بالإضافة إلى لعن الأب أو المقدسات كالرب أو الدين، وغيرها الكثير.

تنوّع هذه الشتائم واختلاف مواضع استخداماتها والغايات من ذلك، يحتّم علينا النظر إليها من زوايا مختلفة، إذ إنّ طبيعة المجتمعات الذكورية لم تلغِ خلال مئات السنوات شتم الأب لغرض توجيه الإهانة، كذلك يجب أن لا يتم تجاهل حقيقة أن النساء أيضاً تستخدمن نفس الشتائم سواء أرادت شتم رجل أم امرأة، وهو ما يدفع في بعض الأحيان إلى التفكير فيها كألفاظ مجردة دون الالتفات إلى مضمونها، وعلاوة على ذلك، من الملفت للانتباه حقاً أنّ الشتائم ذاتها، والتي من المفترض أنّ الهدف منها تجريح الآخر، تستعمل في سياق المدح.

كل ذلك، لا ينفي سيطرة الذكر على الأنثى وامتلاكه لها في اللاوعي الجمعي الذي يكوّن ثقافة المجتمع على هيئة مفردات يتمّ تداولها يومياً، لكني أجد نفسي أميل إلى تفسير آخر، لعلّه يشرح أكثر اعتبار شتم الأم وذكر عضوها التناسلي واحد من أكثر الشتائم استخداماً، لما لها من أثر بالغ في الآخر، إذ أرى هنا أنّه من المنطقي التفكير في أنّ سبّ أم الرجل بغية إهانته ينبع من مكانتها في حياته لا من تبعيتها له، تماماً كما تثور المرأة أيضاً إذا ما شُتمت أمها.

بالنسبة إلي، لا أعتقد أن التعرّض لأمي يمثل عاراً يهينني، ولا أشعر بالغضب من ذكر عضوها التناسلي لأن ما أملك من شرف مرتبط به، بل على النقيض تماماً، فإنني أغضب لأن تلك الشتيمة اقتحمت مساحة الأمان الخاصة بي وتجرّأت على كل ما لي فيها من قداسة لتمسّ المرأة الوحيدة التي أتذكّرها حين أتألّم، والتي أحتاج حضنها حين أتعب؛ إنها المرأة التي أنجبتني من مهبلها، وأرضعتني من صدرها، فكيف لي أن لا أغضب إذا شتموها؟! 

------------------------------- 

نشر هذا المقال على موقع ليفانت نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق