السبت، 28 سبتمبر 2019

الخطاب الشعبوي بين اليمين واليسار



خلال السنوات الأخيرة حققت الأحزاب اليمينية، المتطرفة منها خاصة، كثيراً من الانتصارات الانتخابية في عدد من الدول الديمقراطية الغربية، الأمر الذي سمح لها بالوصول إلى الحكم في عدد منها، أو على الأقل كسب مقاعد أكثر في البرلمانات، ما أثار مخاوف كبيرة من انهيار كثير من التوازنات السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية، وأعاد إلى الأذهان ما كانت عليه الحال قبيل الحرب العالمية الثانية، في ظل وجود أحزاب يسارية متطرفة، اعتمدت النهج الشعبوي ذاته.مكاسب الشعبوية ما كانت لتتحقق في الغالب لولا تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول، لتعمد أحزاب اليمين المتطرف إلى استهداف مشاعر وحاجات شرائح محددة، وطرح حلول لمشاكلها، عبر إلقاء اللوم على سياسات الحكومة وطريقة تعاملها مع ملفات حساسة، كالهجرة والإرهاب وقوانين العمل والضرائب وغيرها. براغماتية اليمين الشعبوي أفقدت التيارات اليسارية أوراقاً رابحة استندت إليها في خطابها الموجه للطبقات العاملة عبر مناهضتها للنظام الرأسمالي، لكن أفكار اليسار ممثلاً بالتيار الاشتراكي الديمقراطي لم تدرك ما أصاب العمال والطبقة الوسطى من تغيرات عميقة أفقدتها مكانتها الاجتماعية بفعل السياسات الليبرالية والحدود المفتوحة، وترجيح الاعتبارات غير الوطنية.
تغلغلت الشعبوية داخل التيارات اليسارية التي تعادي المؤسسات التقليدية والنخب، وتدعو لإغلاق الحدود بحجة المخاوف الأمنية التي تهدد المجتمع، لتتراجع مبادئ اليسار التقليدي التي تدعو إلى الانفتاح والعالمية والترحيب باللاجئين، فلم تعد الشعبوية حكراً على اليمين الأوروبي.
اليوم بات الترويج لأي خطاب شعبوي أسهل مع زيادة معدلات الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار، وإعادة نشرها لتصل إلى عدد أكبر من المستخدمين دون التحقق من صحتها، فضلاً عن حجم المعلومات التي يمكن جمعها من هذه المنصات عن حاجات الناخبين وتخوفاتهم، ولعل الحديث عن تأثير ذلك على نتائج الانتخابات الأميركية هو أفضل دليل على ذلك.
اليمين المتطرف في الغرب اعتمد نهجاً سياسياً شعبوياً قريباً من طريقة عمل الشركات، عبر دراسة احتياجات زبائنها المستهدفين، وزيادة مبيعاتها عبر توفير سلع تناسب تطلعاتهم، بغض النظر عن المنفعة الحقيقية التي تقدمها لهم، في حين أن اليسار المتطرف، والأنظمة القومية أو الدينية، استفادت أكثر من خلق الحاجة لدى زبائنها واحتكار توفيرها عبر خلق العدو/ الآخر والتخويف منه والتحريض عليه.
أما في المنطقة العربية، ومنذ نيل الدول استقلالها، ومع غياب وجود خطط اقتصادية وتنموية حقيقية، نزعت الأحزاب الحاكمة، في سبيل تثبيت سلطتها، أو تحقيق مكاسب إقليمية، إلى الاعتماد بشكل كبير على خطاب شعبوي، يغذي ويتغذى من المشاعر الوطنية والقومية، والانتماءات الطائفية، وهو ما تجلى في كثير من الصراعات التي شهدتها المنطقة خلال العقود الماضية، وبلغ ذروته في السنوات الأخيرة. في المقابل، لم تستطع التيارات المعارضة لتلك الأنظمة تقديم نماذج أفضل مما تعارضه، بل إنها أعادت إنتاج خطاب السلطة الشعبوي المعادي للتعددية. 
-------------------------------- 
نشر هذا المقال ضمن ملف الشعبوية في ضفة ثالثة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق