الاثنين، 21 يوليو 2014

الزبداني.. رهينة كبيرة خارج الحسابات






لا تزال العديد من المدن والبلدات في مختلف محافظات سوريا ترزح تحت حصار قوات النظام والميليشيات الموالية لها بشكل كامل، حيث تقوم بمنع إدخال أية مواد أساسية إليها، كالغذاء والوقود والمستلزمات الطبية وغيرها، وذلك وسط عجز واضح من قبل المنظمات الحقوقية والإغاثية الدولية في التأثير على السلطات السورية للسماح بدخول المساعدات إلى هذه المناطق للتخفيف من معاناة المدنيين.



عام على حصار مدينة الزبداني ونزوح كبير منها


تقع مدينة الزبداني في ريف دمشق الشمالي الغربي على بعد 47 كيلو متراً من العاصمة دمشق، وهي تخضع تحت سيطرة مقاتلي المعارضة، وهم جميعهم من أبناء المدينة، ولا وجود لمقاتلين من الخارج فيها، ويتبعون لكل من كتائب حمزة بن عبد المطلب ولواء الفرسان التابعين للجبهة الإسلامية المعارضة، وهو ما يعتبره ناشطون مدنيون معارضون من المدينة مصدر قوة لهم، حيث يعمل هؤلاء المقاتلون بالتنسيق فيما بينهم بشكل أفضل من باقي المناطق، مع المحافظة على مصلحة الأهالي في المرتبة الأولى، علماً أن هؤلاء لا يقومون بأية أعمال عسكرية سوى حماية المدينة من أي اقتحام لقوات النظام، فيما ينتشر مقاتلون معارضون من فصائل مختلفة على الجبال شرق المدينة وتجري اشتباكات متفرقة بينهم وبين قوات النظام.

من جهتها تفرض قوات النظام حصاراً كاملاً على الزبداني منذ أكثر من عام من خلال عشرات الحواجز العسكرية والأمنية المنتشرة على الجبال المحيطة بالمدينة والطرق المؤدية إليها، والتي يقدر عددها بنحو 150 حاجزاً، وتعمل هذه الحواجز على منع إدخال أية مواد غذائية أو طبية إلى داخل المناطق المحاصرة، والتي تشمل المدينة القديمة وحي المحطة ومنطقة السهول، مما تسبب بتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية بين المدنيين فيها، كما تقوم قوات النظام باستهداف الأبنية السكنية باستخدام القذائف المدفعية والدبابات والبراميل المتفجرة والطيران الحربي بشكل شبه يومي منذ عامين تقريباً، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين وتدمير عدد كبير من المنازل والمحال التجارية فضلاً عن تضرر معظم المدارس والمراكز الخدمية.

أدى الحصار والعمليات العسكرية إلى نزوح قسم كبير من سكان المدينة، إذ كان عدد السكان يبلغ أكثر من 25 ألف نسمة قبل بدء الثورة السورية منتصف شهر آذار من عام 2011، فيما يقدر عدد الباقين منهم الآن بنحو خمسة آلاف مدني فقط، وعدد غير معروف من عناصر المعارضة المسلحة، فيما لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد النازحين من المناطق الأخرى المتواجدين على أطراف المدينة.


معاناة النساء في البحث عن المواد الغذائية 


تحت هذه الظروف، يعمل السكان على توفير احتياجاتهم الأساسية بأنفسهم، كتأمين الكهرباء ومياه الشرب والغذاء، حيث تقوم النساء خاصة بالسير على الأقدام إلى المناطق المجاورة للحصول على المواد الأساسية، مخاطرين بحايتهم وسط انتشار كثيف للحواجز العسكرية والقناصة، بينما يقتصر عمل المجلس المحلي المعارض في الزبداني على بعض الأعمال الإغاثية دون أن يتمكن من تحقيق الكثير.

يوجد فرن واحد يقع جنوب المدينة في منطقة خاضعة لسيطرة قوات النظام، والفرن يؤمن الخبز للمناطق المجاورة كسرغايا ومضايا وبلودان وبقين، ويضطر سكان الزبداني إلى السير مسافة ساعة كاملة للحصول على ربطة خبز واحدة لكل شخص، وهذا المسير لا يخلو من المخاطر، ففي التاسع والعشرين من شهر آذار الماضي قُتل خمسة مدنيين بينهم ثلاث نساء إثر استهداف دبابة تابعة للجيش السوري النظامي لآلية زراعيةٍ كانوا يستقلّونها باتجاه الفرن، علماً أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها.

أوضحت الناشطة المدنية مريم التي تتواجد داخل المناطق المحاصرة، أن المجلس المحلي عاجز عن إنشاء فرن خشية تعرضه للقصف، فضلاً عن الصعوبات الكبيرة في تأمين مادة الطحين، مشيرةً إلى أن البعض يضطر للشراء من المهربين، حيث يصل سعر ربطة الخبز إلى أكثر من الضعفين في بعض الأحيان.

وأشارت مريم إلى أن قوات النظام منحت المناطق المحاصرة خلال شهر رمضان الجاري تسهيلات وصفتها بـ”الغريبة” و”غير المعهودة” حيث تسمح الحواجز الأمنية خلال شهر الصيام للمدنيين بإدخال الخبز والمواد الغذائية ومادة الغاز بعد التدقيق في دفاتر العائلة، وهو أمر لم يحصل منذ بدء الحصار، ونوّهت إلى أن النساء يخرجن كل يوم إلى بلدتي بقين ومضايا لجلب المواد التموينية “لأنها أرخص بكثير.”


المدارس والمستشفيات في المناطق المحاصرة خارج الخدمة


أفادت مريم بأن النظام أنشأ بعض المدارس على أطراف الزبداني لتعليم أطفال النازحين المتواجدين على أطراف المدينة، فيما بقيت المناطق المحاصرة دون مدارس بعد أن طالها القصف، والتي كان يبلغ عددها اثنتا عشر مدرسة لكافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي، في حين يقتصر التعليم في المدينة على قيام بعض سكان المدينة بتدريس الأطفال بشكل فردي من حين لآخر.

كما تعرضت المستشفيات والمستوصفات للقصف أيضاً، وخرجت عن الخدمة بعد الأضرار التي أصابتها وحصول نقص شديد في المستلزمات والكوادر الطبية، ويوجد حالياً مستشفى ميداني واحد لسد الاحتياجات الطبية بعد أن تعرض المشفى الخاص والمستوصف الموجودين في المناطق المحاصرة للقصف، فيما باتت إمكانيات المشفى الحكومي ضعيفة جداً بسبب الحصار، على الرغم من وقوعه في منطقة تسيطر عليها قوات النظام.


انقطاع الاتصالات منذ بدء الحصار وتضرر شبكة الكهرباء


عمدت قوات النظام منذ بدء الحصار تقريباً إلى قطع الاتصالات الأرضية عن المنطقة بشكل كامل، أي مدينة الزبداني والبلدات المحيطة بها، كسرغايا وبقين ومضايا وغيرها، في حين أن القصف تسبب بإلحاق أضرار كبيرة بشبكة التيار الكهربائي وتقطيع العديد من الأسلاك، لذا يعمد السكان إلى “تعليق الكابلات” و”سحب الخطوط” من أجزاء الشبكة التي لا تزال تعمل خارج أوقات القطع أو التقنين.

ونتيجة لقيام قوات النظام بمنع إيصال مادة المازوت إلى المدينة والانقطاعات الطويلة في التيار الكهربائي توقف العمل في مبنى البريد وبالتالي توقف الاتصال بشبكة الانترنت، إلا أن بعض المهندسين المحليين يعملون على تشغيل الحواسب والمخدمات عبر شحن البطاريات، وهو ما لا يتوفر دائماً لارتباطه بتوافر الكهرباء، ويذكر أن مبنى البريد تعرض للقصف بالبراميل المتفجرة عدة مرات بسبب وقوعه ضمن الأحياء المحاصرة.


لماذا لا تنجح الهدنة في الزبداني؟


خلال مدة الحصار جرت عدة مفاوضات بين قوات النظام ووفود من الزبداني للبحث في الوصول إلى اتفاق هدنة بين الطرفين، حيث سعى معظم المدنيين ومقاتلي المعارضة في المدينة إلى التوصل لهدنة ما، وفي الغالب كانت شروطهم تقتصر على إطلاق سراح المعتقلين من أبناء المدينة وبقاء قوات النظام خارج الزبداني مع فك الحصار عنها، فيما كانت شروط قوات النظام تتمثل بقيام المقاتلين بتسليم أسلحتهم ولا سيما الثقيلة منها.

إلا أن هذه المفاوضات لطالما باءت بالفشل، مع استمرار قوات النظام بخرق شروط الهدنة واستهداف المدينة بالقصف وتشديد الحصار عليها مع المماطلة في ملف المعتقلين.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن هناك انقسام في صفوف قوات النظام التي تحاصر الزبداني بشأن الهدنة، إذ إن قسماً منهم يرغب في التوصل إلى هدنة وتطبيقها بشكل كامل، فيما يوجد قسم آخر لا يرغب فيها بسبب “الاستفادة المادية” من وجود الحواجز في المنطقة، حيث تقوم هذه الحواجز بفرض “أتاوات” على مرور سيارات الشحن والنقل، ولا سيما المتوجهة إلى سرغايا، في حين قال أحد السكان المحليين إن أحد الضباط قال له عن سبب عدم نجاح الهدنة “إنهم لا يثقون بسكان الزبداني.” كما لا بد من التنويه إلى وجود طرف آخر في قوات النظام “يحقد” على الزبداني بسبب انخراطها في الثورة السورية ويرغب في “تدميرها.”

من جهته اعتبر ناشط إعلامي معارض، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن من أهم أسباب فشل الهدن في الزبداني هو رغبة قوات النظام في الحفاظ على “عسكرة المنطقة” بعد أن اتخذها حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات النظام “منطلقاً لعملياته العسكرية” في كل من حمص ومنطقة القلمون بريف دمشق.

الجدير بالذكر أنه بعد تمكن قوات النظام المدعومة بمسلحي حزب الله وميليشيات أخرى من السيطرة على مناطق واسعة من ريف دمشق الغربي وبلدات منطقة القلمون بقيت الزبداني من المدن القليلة التي تسيطر عليها المعارضة، وهي تتعرض منذ شهرين إلى قصف يومي بالبراميل المتفجرة التي تلقيها المروحيات العسكرية التابعة للجيش النظامي أثناء الليل، وذلك في الوقت الذي عبّر فيه ناشطون معارضون عن “تقصير” المواقع الإعلامية المعارضة في تغطية أخبار المدينة تماماً كما “أغفلت الاهتمام بها” المنظمات الإغاثية والحقوقية، سواء كانت دولية أو تابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق